الجزائر | تواجه الجزائر أزمة اقتصادية ومالية، استدعت رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، إلى المشاركة في منتصف الأسبوع الحالي في اجتماع لمجلس الوزراء هدف إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة تراجع مداخيل البلاد كما أسعار صرف الدينار أمام الدولار، الذي سجّل تراجعاً بنحو 30 بالمئة للمرة الأولى منذ عقود.وخلصت قرارات الحكومة إلى إعلان تقليص النفقات في موازنة 2015 بواقع 1.35 بالمئة بفعل توقع هبوط إيرادات الطاقة جراء نزول أسعار النفط، في وقت تعتمد فيه البلاد على الطاقة في 60 بالمئة من ميزانية الدولة، وتشكل صادرات النفط والغاز نحو 95 بالمئة من إجمالي صادراتها.

وبينما ترافقت مصادقة مجلس الوزراء على قانون المالية التكميلي لسنة 2015 مع إعلان ثاني تعديل حكومي، جزئي، يقع في غضون سبعين يوماً، خلق إعلان التوجهات الاقتصادية نوعاً من القلق والتوتر في الشارع الجزائري الذي اعتبرها تقشفية وقد تؤثر مباشرةً على مستوى المعيشة وعلى القدرة الشرائية، نظراً إلى فرض ضرائب جديدة وإقرار زيادات في تسعيرات الماء والكهرباء والبنزين، في مشهد يذكر بما عرفته البلاد إبان أحداث أكتوبر 1988.
مقربون من الحكومة: تصريحات المسؤولين ذر للرماد ومسكنات تهدئة

وفي ظل واقع عالمي تجد فيه الدول المنتجة للنفط نفسها أمام خيار صعب سياسياً بفعل تراجع عائداتها بسبب انخفاض أسعار الخام، ما يجعلها مضطرة إلى تقليص نفقاتها، تؤكد الحكومة الجزائرية أنه لا زيادات في أسعار الوقود ولا رسوم جديدة وأنّ دعم المواد الاستهلاكية سيستمر.
لكن الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، يرى أن الجزائريين يواجهون، في الشق الاقتصادي، سيناريو بداية التسعينيات "بسبب اعتماد الحكومة على تمويل المشاريع الشعبوية على غرار السكنات والطرقات بميزانيات مضاعفة وخيالية، وذلك على حساب المشاريع الاقتصادية المنتجة". وحذّر مسدور من "حالة الإحباط واليأس والخوف لدى أغلب المواطنين"، وقال منتقداً الحكومة إن "المواطن لم يستفد في زمن البحبوحة المالية، فكيف له أن يصبر في سنوات شد الحزام؟".
وفي نفس السياق، حذّر رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، ما أسماه "عقوبة التقشف"، وقال إن اعتماد اقتصاد الجزائر بشكل كبير على مداخيل الطاقة دفع الحكومة إلى "مواجهة أصعب صدمة بتهاوي سعر برميل البترول عالمياً". وتابع قوله إنّ "هذه السياسة أدت إلى خلق لوبيات وجماعات ضغط، باتت تستفيد وحدها من الحوافز التي تقدمها الحكومة"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن الحكومة أن تتحدث عن تقشف، وهي لا تمتلك اقتصاداً، وأن أي إجراءات تمس بالمواطن ستدفع البلاد إلى مصير مجهول".
وبالتوازي مع تنامي الانتقادات الموجهة إلى الحكومة، فإنّ المخاوف الشعبية قد تزداد، أيضاً، بفعل التحدي الأمني المتمثل بالنشاط المتصاعد في المدة الأخيرة للجماعات الإرهابية، الذي سيدفع بدوره نحو ارتفاع المتطلبات المالية للمؤسستين العسكرية والأمنية.
وقبل يومين، حاول الوزير الأول، عبد المالك سلال، الرد على سلسلة الانتقادات والمخاوف، عبر مشاركته في برنامج للتلفزيون الجزائري، قال خلاله إنّ اجتماع مجلس الوزراء الأخير المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية هو "اجتماع تاريخي"، مضيفاً أن القرارات التي اتخذت خلاله كانت "قرارات شجاعة".
وفي سياق الحديث، أكد سلال أن السياسة المنتهجة من طرف الحكومة "تهدف إلى ترشيد النفقات العمومية"، مشيراً إلى أنّ الحكومة "لا تعتزم اتباع سياسة تقشف بالنظر إلى الحركية الاقتصادية التي تعرفها الجزائر... (سياسة التقشف) تولّد الفقر دائماً". وشرح أنه برغم تراجع مداخيل الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً، فإن الحكومة "تحكمت بالوضع بفضل سياستها الاستشرافية".
وخلال التطرق إلى واقع سوق النفط والطاقة، رأى سلال أن الحكومة كانت قد توقعت تراجع الأسعار في الأسواق العالمية "بسبب معطيات اقتصادية وجيواستراتيجية عالمية، ولهذا اتُّخذت عدة إجراءات استباقية لتطوير الاقتصاد الوطني والتخلص من التبعية للمحروقات".
محاولات المسؤولين الجزائريين المتتالية لطمأنة المواطنين إزاء الوضع الاقتصادي الصعب، انتقدتها مصادر مقربة من الحكومة لـ"الأخبار"، اعتبرت أنّ تصريحات المسؤولين والوزراء "ما هي إلا ذر للرماد ومسكنات تهدئة". وتحدثت المصادر عن أن "الحكومة أرسلت تعليمات لمصالحها بوقف جميع المشاريع العمومية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والسياحة والنقل"، مشيرة كذلك إلى أن "الحكومة أمرت بتجميد جميع العمليات الخاصة بالتجهيزات العمومية، باستثناء تلك الاستعجالية التي تحوز رخصة موقعة من الوزير الأول عبد المالك سلال".
وفي السياق، أفادت مصادر حكومية لـ"الأخبار" بأن الوزير الأول "طلب بضرورة الحد من ظاهرة اللجوء إلى إعادة التقويم التي أدت إلى رفع تكاليف أغلبية المشاريع المهيكلة، وبترشيد نفقات التسيير على المستوى المحلي، وكذا تجميد (مشروع) تحسين أجور مختلف القطاعات".