غزة | في لحظة واحدة، استهدفت عدة انفجارات فجر أمس خمس سيارات تتبع لقادة في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، و«سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، في حيي الشيخ رضوان والنفق، شمال وشرق مدينة غزة. ولا يقف في طريق المنطق حاجز يمنع توجيه النظر إلى «داعش غزة» بضلوعها خلف هذه الانفجارات الدقيقة، فالأهداف كانت سيارة قائد كتيبة الشيخ رضوان في «سرايا القدس»، وأحد قادة «السرايا» في غرب غزة، إضافة إلى ثلاث سيارات أخرى تعود ملكيتها إلى قادة فعّالين في جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة غزة السابقة، و«القسام».
الطريق إلى اتهام «داعش» بما حدث ممهد جدا، برغم أن ذلك لا يمنع فرضيات أخرى، وما يرجح العامل الأول أن المنفذين وقعوا على الجدار الملاصق بإحدى السيارات المدمرة «شعار التوحيد الخاص بالدولة الإسلامية»، كما كان مسرح الحدث هو منطقة الشيخ رضوان التي تشهد توتراً منذ أشهر على خلفية مقتل القيادي السلفي يونس الحنر في مطلع حزيران الماضي على يد مجموعة من «حماس»، لكن يبدو أن أياً من «السرايا»، و«القسام»، لا يريد الدفع صوب هذا الاحتمال، وذلك بتلميح ضمني إلى مسؤولية للعدو الإسرائيلي عما يجري بناء على الاحترافية في التنفيذ، والسعي نحو خلط الأوراق مجدداً، مع أن الجو السياسي العام يشير إلى مصلحة إسرائيلية بالهدوء في غزة حتى داخلياً، كي لا يترجم أي صدام إلى إطلاق صواريخ على الأراضي المحتلة لاحقاً، تماماً كما حدث في الأسابيع الماضية.
بناء على ذلك، سارع الجناحان العسكريان إلى إصدار بيان مشترك قالا فيه إن «من فجر مركبات المجاهدين هي بعض الأيادي الآثمة التي تحاول النيل من المقاومة بالتساوق مع الاحتلال». وأوضحت «القسام» و«السرايا» أن «الأدوات المأجورة المنفّذة تضع نفسها في مربع الخيانة»، محذرتين من أن «هذه الأفعال القذرة لن تثنينا عن واجبنا الوطني... لن نتهاون في ملاحقة الفاعلين».
مصادر في «سرايا القدس» تحدثت إلى «الأخبار» عن رغبة لدى «الجهاد الإسلامي» في تطويق الحدث إعلامياً، ولكنها لم تخرج مسؤولية الحدث عن إطار «داعش غزة» أو أي جهاز إسرائيلي يحركها أو يعمل باسمها.
ويؤخذ بالحسبان أيضاً، أن تكون الأحداث ترجمة للتهديدات الرسمية التي أطلقتها «داعش» ضد رجال «حماس» والأجهزة الأمنية في تسجيلها الذي بثته ولاية حلب في مطلع تموز الجاري، وهدد فيه مسلحون من «كتيبة أبو النور المقدسي»، التي تضم المقاتلين الوافدين من غزة، بإغراق غزة بالدماء والأشلاء، رداً على ملاحقة الأجهزة الأمنية لعناصر السلفية وقتل «الحنر»، ولكن ما جرى حتى اللحظة هو استمرار للأسلوب نفسه، أي الضرب من تحت الحزام ومن دون تعمد الاغتيال، كما يبدو.
وزارة الداخلية التابعة لحكومة «حماس» اكتفت بالقول في تصريح رسمي، إن «المجرمين يسعون إلى زعزعة الاستقرار، وإنهم لن ينجوا بفعلتهم»، لكن، في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى «داعش»، يبرز المستوى العسكري والأمني اللافت لمنفذي الهجوم، فهم استفادوا من التوقيت غير المتوقع في ظل ما يحكى عن مصالحة سلفية ــ حمساوية (راجع العدد ٢٦٣٥ في ٨ تموز)، والضرب المتزامن لعدد من الأهداف في مناطق متباعدة مكانياً، ومن الدقة في لفت الأنظار إلى جهة بعينها، ما يفتح الباب من جديد أمام تكهنات بوجود عمل احترافي ومنظم قد يكون أعلى من المستوى الذي تمتلكه العناصر التي تدين بالولاء للبغدادي.