غزة | لم تقض المواجهات المسلحة بين حركة «حماس» و»الإمارة الإسلامية» منتصف آب 2009 على تنظيم «جند أنصار الله» أو الحالة السلفية في غزة وتواصلها مع الخارج؛ فبعد ست سنوات كاملة تعود الممارسة نفسها، ولكن من البوابة السورية. ورغم أن السلفيين الغزيين الذين خرجوا من القطاع مشغولون عنه ولم يلوّحوا بالثأر بعد، فإن استحضار أبرز الرموز الذين قتلتهم «حماس» ــ كأبو النور المقدسي وأبو عبدالله السوري ــ لا تزال قائمة.
وقبل أقل من أسبوع، ألقى تعيين كل من «أبو منصور الغزاوي» والياً على «إمارة حلب» في تنظيم «داعش»، و»أبو خباب الغزاوي» مسؤولاً أمنياً في تلك الإمارة، الضوء على هذه الظاهرة، إذ إن هذين الاثنين كانا من قيادات كتيبة «أبو النور المقدسي» التي حاربتها «حماس».
لا شك في أنه في الجانب الأول يضيء هذا التعيين على ناحية مهمة من العلاقات التنظيمية ما بين «داعش» وسلفيي غزة، الأمر الذي يعني أن مواجهات 2009 لم تفض إلى إنهاء السلفية الجهادية في غزة أو قطع علاقاتها الإقليمية وانحصارها، بل أسّست لتولي سلفيين من غزة، عقب الدفع بهم خارجها، مواقع قيادية متقدمة داخل «داعش»، حتى إنهم أسّسوا كتيبة خاصة أطلق عليها اسم «أبو النور المقدسي»، وهو الشيخ عبد اللطيف موسى، أول مؤسس لـ«الإمارة الإسلامية» في غزة.
ثانية الدلالات أن ثمة عدداً لا بأس به من الفلسطينيين في «داعش»، وهو ما سمح لهم بتأسيس كتيبة داخل التنظيم، ثم أفضى إلى تعيين اثنين منهم في أبرز مواقع «ولاية حلب»، ربما كمكافأة بعدما سجلت غزة قائمة متقدمة من قتلاها على الأرض السورية، كان فيها وديع وشح (21 عاماً من جباليا)، ووسام العطل (37 عاماً)، وناهض لبد، وسائد السندي، وسعد شعلان... وآخرون.
يذكر أن أول ظهور لمجموعة أبو النور المقدسي كان في مقطع فيديو نشر في 18 نيسان 2014 وبدت فيه مجموعة من المقاتلين يتدربون في سوريا معلنين انتماءهم إلى سرية المقدسي التي باتت الآن كتيبة. لم تتوقف حدود التقاطع التنظيمي بين «داعش» وسلفيي غزة في سوريا فقط، فالعلاقات الإقليمية للسلفية الجهادية في غزة أكثر عمقاً من سوريا والعراق، ويكفي استذكار أنه في تشرين الأول 2013 حدثت وساطة قام بها علماء دين سلفيون من الكويت وقطر لحل الخلافات بين «حماس» والجماعات السلفية، توّجت آنذاك بمبادرة من ثماني نقاط أهمها وقف ملاحقة عناصر السلفية الجهادية والإفراج عن معتقليها في سجون حماس، ثم شكلت لجنة مشتركة لحل المشكلات الميدانية العالقة بين الطرفين، شريطة تأجيل بحث مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية.
بالانتقال إلى «داعش»، يلاحظ أن التنظيم يعاني منذ مدة من مشكلات تنظيمية وهيكلية تتعلق بالأجانب وتعيينهم أمراء في مناطق غير مناطقهم، مثل «تعيين أنباري في طرابلس ليبيا»، وتعيين «حلبي في ولاية الأنبار»، وليس انتهاء بـ»تعيين غزاوي في ولاية حلب». لكن هذه المرة للأمر قراءة مختلفة تتعلق بموقع غزة في فكر التنظيم وممارسته، والأهم البحث عن إجابة للسبب الذي خصّ فيه «داعش»، أبو النور المقدسي، بكتيبة في هيكله التنظيمي.
الواضح أن «أبو بكر البغدادي» يتبع تكتيكاً تنظيمياً قوامه تقريب الأجانب وتوليتهم مناصب متقدمة وإعطاؤهم أدواراً كبيرة، وهو أمر أثار خلافات عديدة بين البغدادي و»مجلس شورى داعش» الذي يرى أن الأجانب يجب توظيفهم قضاة شرعيين وليس ولاة. والآن، فإن تعيين اثنين من غزة يعني أن رأي البغدادي هو الذي غلب وحسم.
عن «ولاية حلب» تحديداً، يوضح الخبير المصري في الجماعات الإسلامية المسلحة، ماهر فرغلي، أن «حلب» شهدت مشكلات تنظيمية وهيكلية كبيرة في «داعش»، بدأت بين البغدادي وأبو الأثير العبسي وأتباعه. ويضيف أن التغيير طال «حلب» وغيرها من أجل حسم مشكلات تنظيمية داخلية، وأن ثمة» قضايا فكرية وشرعية مهمة جداً وراء التغييرات الأخيرة».
ويفسر فرغلي التغييرات بأن لها علاقة بتدعيم وجهات نظر تتقارب مع البغدادي الأقل تكفيراً للقاعدة وللظواهري، مستشهداً بإقالة 50 قاضياً شرعياً غالبيتهم مصريون يكفّرون الظواهري، وقد «حدثت هذه الإقالات قبل التعيينات الأخيرة».
أما عن وجود كتيبة لأحد السلفيين الذين قتلتهم «حماس» في غزة، فإن الباحث المصري يتوقع أنه عاجلاً أو آجلاً سيكون لتنظيم «داعش» حضور في غزة، لكن «المعركة لن تكون مع إسرائيل بل مع الفصائل الأخرى، في ظل أن داعش يؤمن بقتال العدو القريب واعتباره أولى من البعيد».
وبعيداً عن الأسباب الميدانية، فإن «داعش يلعب دائماً على الصورة والرمز، والرمز هنا هو أبو النور المقدسي، فيما إقامة معسكر باسمه تعني جذب عدد كبير من المؤيدين والمتعاطفين»، وفق فرغلي. يضيف: «الخشية من ثأر قديم بين غزة التي تديرها حماس، والسلفية الجهادية، فوجود كتيبة في سوريا إشارة إلى الاستعداد وإثبات لقوة الكيان الموجود والمقبل»، مستدركاً: «هذا سينعكس على العلاقة بين مصر وحماس، وقد يفضي إلى تقارب بينهما إذا قويت داعش ووصلت إلى غزة».
في هذا السياق، يبحث مراقبون عن حلقة وصل بين التسهيلات المصرية الأخيرة وليونة «حماس» تجاه القاهرة برغم عدد من الأحكام القضائية الأخيرة بحق جماعة «الإخوان المسلمين» وبعض رموز الحركة، إذ جرى فتح معبر رفح بين غزة وسيناء في الاتجاهين طوال أسبوع كامل، وذلك بعد أسبوعين من اشتباكات محدودة بين السلفية الجهادية و»حماس». ويدور الحديث عن عدة لقاءات عقب هذه المواجهات بين الحركة والمخابرات المصرية، وأن مصر سألت «حماس» في هذه اللقاءات عن عناصر سلفيين مصريين من سيناء موجودين في غزة، قيل إنهم أصيبوا أثناء المواجهات مع الجيش المصري ودخلوا للعلاج، وأحد مداخل الحديث كان عن «قائمة أسماء سلمتها مصر لحماس، وإثرها استجوبت حماس عناصر سلفيين معتقلين لديها حول هذا الموضوع».