القاهرة | تظهر الإحصاءات الرسمية الحديثة في مصر أن نسبة الأمية تبلغ خُمس إجمالي الشعب، فيما تمثل المرأة ثلثي هذه النسبة. وبينما يضم العالم العربي مئة مليون نسمة تطاولهم الأمية، تمثل المرأة ثلثي هذه النسبة أيضاً.جمعيات ومبادرات عدة أُطلقت في مصر ودول عربية أخرى لمعالجة هذه المشكلة، ونساء كثر في المقابل قررن تغيير حياتهن وتحسين أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية عبر التحرر من الأمية.

من هؤلاء من بادرن وتوجهن إلى فصول محو الأمية القريبة من مناطق سكنهنّ، فيما اتخذت أخريات هذا القرار بعد تواصلهن المباشر مع جمعيات أهلية تعمل في مجال تعليم الكبار ومحو الأمية، فاستطعن أن يقدمن نماذج ملهمة لغيرهن، وخصوصاً أن معظمهن من أسر فقيرة ويسكنّ في مجتمعات قروية تحمل أفكاراً ومواقف شديدة المحافظة.
منجة محمد، على سبيل المثال، تحرّرت بعد 11 عاماً من الاجتهاد والعمل الدؤوب من الأمية وصارت معلمة. بدأت مشوارها عام 1995 من قرية الكريمات في محافظة الجيزة، وهي قرية لم تضمّ إلا مدرسة واحدة على حدود القرية جهة نهر النيل. وبسبب بعد المسافة بين المسكن والمدرسة حرمت التعليم، لكنها في تلك السنة قررت أن تبدأ مشوار التغيير، والتحقت بفصول محو الأمية وحصلت على الشهادة بعد عامين.
بعد ذلك، التحقت محمد بالمرحلة الإعدادية وكانت الأولى على مدرستها، ما حفزها على استكمال دراستها الثانوية، علماً بأنها كانت تسير على الأقدام ثلاثة كيلومترات يومياً وتركب مركباً لعبور النهر من أجل الوصول إلى المدرسة الثانوية، ثم التحقت بكلية دار العلوم وتخرجت عام 2008، وحصلت بعد ذلك على دبلوم تربوي، وها هي الآن تعمل مدرسة.
أما زاهية آيت زقاغ من الجزائر، فحرمت حقها في التعليم لمجرد أنها فتاة من أسرة فقيرة، لكنها استطاعت بدعم من «الجمعية الجزائرية لمحو الأمية» أن تحصل على شهادة، واستكملت حلمها عبر دورات لبناء قدرتها في مجالات التصوير وأعمال الفندقة، والآن هي تمتلك مهارات تتيح لها فرصاً للعمل.

تخصص جوائز محدودة لمساعدة بعضهنّ على إكمال التعليم

هذان نموذجان لسيدات تحررن من الأمية واستطعن أن يعززن فرصهن في العمل وتحسين أوضاعهن الاجتماعية، فيما لا تزال هناك فتيات أخريات يأملن استكمال حلمهن. من هؤلاء، تيريزا عيد من محافظة أسيوط، التي كان تعلُّم القراءة والكتابة بالنسبة إليها بمنزلة الحلم، فشاركتها أمها الحلم وذهبتا معاً إلى فصول تعليم الكبار، وتحررتا من الأمية. التحقت تيريزا بالجامعة، وهي الآن في الفرقة الأولى في كلية الحقوق، وتتمنى أن تعمل في المحاماة.
جميع ما سبق كان محل اهتمام «المرأة والمجتمع»، وهي إحدى الجمعيات المصرية التي تعمل على قضايا محو الأمية والحق في التعليم منذ 1994، وتتبنى هذه القضية، كما تقول، من منظور حقوقي وتنموي، كما لديها برامج مختلفة تربط بين التحرر من الأمية وقضايا التنمية.
في هذا السياق، أطلقت الجمعية «المبادرة العربية للتمكين الاجتماعي والاقتصادي للمتحررات من الأمية» التي تعمل عبر عدد من البرامج؛ منها «المنتدى العربي للمتحررات من الأمية»، وقد عقد المنتدى احتفاليتين لتكريم المتحررات من الأمية عامي 2016 و2017 ومنحهن جوائز مالية مخصصة لاستكمال مراحل تعليمهن أو تنفيذ مشاريع متناهية الصغر.
وفي 2016، كرمت الجمعية ثلاث «متحررات من الأمية»، ومُنِحن جوائز مالية بقيمة ستة عشر ألف جنيه مصري، كما تم عبر شراكات جديدة مع مؤسسات أخرى وعدد من الشخصيات العامة، رفع عدد الجوائز هذا العام إلى عشرين على النحو الآتي: 18 فائزة من مصر، وواحدة من الجزائر، وجائزة خاصة لمتحررة من الأمية في فلسطين، فيما بلغت قيمة إجمالي الجوائز 75 ألف جنيه.
ومع أن هذه المبادرة تمثل خطوة مهمة وتساعد على خروج نسبة من النساء من دائرة الفقر، فإن الواقع يحتاج إلى عشرات المبادرات، والأهم إلى خطة قومية للقضاء على الأمية بمعالجة جذور هذه المشكلة المرتبطة بأبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية لا يقع تأثيرها في الأمّيين فحسب، بل يمتد إلى أسرهم بالإضافة إلى معاناتهم من التهميش والاستبعاد من عائد التنمية.