تونس | تعيش تونس منذ مدة على وقع احتجاجات شعبية في عدة مدن أدت إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة، وخاصة في المناطق الجنوبية، تبع ذلك إعلان حظر التجول في بعض المناطق، وقد أججت هذه التظاهرات عدداً من المطالب التي تصب معظمها في خانة التنمية والتشغيل، ولكنها انطلقت في جزء كبير منها بحملة «وينو البترول؟»، التي أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
ساهمت هذه الحملة بصورة كبيرة في إدخال عنصر الشك والتساؤلات عن حقيقة ثروة الطاقة في تونس، وهوية من يقف وراء استنزافها، فضلاً عن مسائل الفساد المالي والإداري في قطاع البترول ورخص التنقيب الممنوحة منذ عهد حكومات زين العابدين بن علي لشركات أجنبية، إضافة إلى المناداة بالتحقيق فيها عبر منظمات المجتمع المدني مباشرة بعد «الثورة»، وخاصة أن تقارير رقابية رسمية بينت وجود شبهات في مجال الطاقة في البلاد.
وكان متبنّو حملة «وينو البترول؟» قد توجهوا، السبت الماضي، إلى أكبر شارع في العاصمة (الحبيب بورقيبة) للاحتجاج، فيما شهد المكان حالة استنفار أمني أدت إلى مواجهات أمام المسرح البلدي هناك، بين الأمنيين وعدد من المشاركين، على خلفية منع قوات الأمن ناشطين في الحملة من التجمهر وتنظيم وقفتهم، كما اعتقل عدد منهم.
ويؤكد مصدر أمني لـ«الأخبار» أنّ «الإيقافات (الاعتقالات) جاءت على خلفية حمل شعارات تحرّض على الفوضى في البلاد»، مشيراً إلى تعرّض عدد من الصحافيين للاعتداء عندما كانوا بصدد تغطية هذه المسيرة.
أما «اللجنة الوطنية لكشف حملة وينو البترول»، فتتهم عدداً من القيادات السياسية بالوقوف وراء حملة «وينو البترول» مع تقديم الدعم لها، مشيرة إلى أنه يجري «التركيز على ولاية قابس في الجنوب التونسي باعتبارها منطقة مستقرة وهي مفتاح للجنوب وتربط بين معبر بن قردان وقبلي المنفتحين على الحدود التونسية الليبية». وتقول اللجنة إن تلك المنطقة مهمة ويمكن فيها محاولة إشعال ثورة والانقلاب على الحكومة، كما تتهم قياديين وعدداً من نواب مجلس الشعب بأنهم توجهوا إلى دوز من أجل زرع الفتنة والتحريض على الحكومة لإسقاطها تحت شعار وينو البترول، وذلك بإضعاف المناطق الحدودية لتسهيل دخول جماعات مسلحة إلى البلاد».
هكذا يتبين أن هذه الحملة خلفت جدلاً واسعاً وردود فعل متفاوتة بين مقتنع بأن البلاد تعوم على بحر من البترول تتصرف فيه بعض الشركات الخاصة والوطنية وبعض المسؤولين الذين تلقوا مبالغ مالية ضخمة، وبين رافض لهذه الفكرة على اعتبار أن تونس بلد صغير يفتقد موارد الطاقة وينتج أقل من حاجته اليومية، لذا يسعى إلى تحقيق اكتفائه الذاتي بالاستيراد من بعض الدول.
وحاول وزير الصناعة والطاقة والمناجم، زكريا حمد خلال، حسم هذا الجدل خلال جلسة استماع أمام مجلس الشعب ــ ضمن لجنتي الطاقة والإصلاح الإداري ــ بالتأكيد أن تصاعد حملة «وينو البترول» دفعت وزارته إلى إعداد خطة لتدعيم الشفافية وإعطاء المعلومة للشعب التونسي، قائلاً إن الوزارة تتعامل مع «وينو البترول» بكل تجرّد وموضوعية. وكذلك طالب المجلس وزير الصناعة بالكشف عن المعطيات الرسمية وحقيقة رخص الاستكشاف وعددها.
وتقول مصادر رسمية إن سندات الاستثمار في الطاقة تتوزع حالياً بين 37 رخصة استكشاف وبحث و53 امتياز استغلال، كما تم في شهر أيار الماضي حفر أكثر من 700 بئر استكشافية أفضت إلى إسناد 53 امتيازاً، منها 38 في طور الاستغلال والإنتاج. ولكن وزير الصناعة أكد أن جميع الاكتشافات صغيرة الحجم ومحدودة الإنتاج، باستثناء حقلي البرمة وعشتروت اللذين يؤمنان 42% من الإنتاج الوطني الإجمالي منذ بداية الاستغلال، لافتاً إلى أن معدل إنتاج تونس من النفط بلغ حتى الشهر المذكور نحو 53.4 ألف برميل في اليوم، وهو رقم ضعيف مقارنة بدول أخرى.