القاهرة | روح يناير كانت تتمشى في شوارع القاهرة أمس. تلك الروح التي غابت طويلاً، عادت من شارع مراد في محافظة الجيزة (جنوب القاهرة الكبرى)، حيث مقر محكمة مجلس الدولة، لتنتشر في أرجاء مصر كلها.مع فرحة الحكم بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، كان الشباب يهتفون لمن قادوا المعركة، وكانوا في أول الصفوف، كالمحامي خالد علي، رئيس هيئة الدفاع عن الجزيرتين، وكذلك المحامي مالك عدلي، الذي قبض عليه لأشهر، وهو أيضاً أحد أعضاء فريق الدفاع عن القضية.

هتف الشباب باسميهما وباسم باقي المتهمين، وهتفوا لكل الشباب الذين قُبض عليهم في المعركة منذ بدايتها، في نيسان (أبريل) الماضي، حتى نهايتها أمس.
غير أنّ هناك جنوداً مجهولين، كانوا بالفعل أبطال تلك المعركة، خاضوها بشرف رغم كل القيود، والضغوط التي مورست عليهم، بل إنّ أحدهم عرّض نفسه لاحتمال ترك منصبه كرئيس تحرير إصدار صحافي قومي.
بخلاف كل رؤساء تحرير الصحف القومية، بل الصحف الخاصة أيضاً، فإنّ علاء العطار، رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»، أحد إصدارات مؤسسة «الأهرام» القومية، خاض معركة طويلة لإثبات مصرية الجزيرتين. فعل ذلك رغم موقف الدولة الرسمي المؤكِّد أنّهما سعوديتان، ورغم موقف رئيس تحرير جريدة «الأهرام» اليومية، محمد عبد الهادي علام، الذي كتب افتتاحية يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 بعنوان: «وعادت الوديعة إلى أهلها»، يدافع فيها عن موقف الدولة في تسليم الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية.
كان علاء فارساً حقيقياً، خاض معركة مهنية قوية. مع الحكم الأول بمصرية الجزيرتين، جاء عنوان «الأهرام العربي»، «الحكم عنوان الحقيقة ... مصرية بحكم الشعب». وفي العدد الأخير، نشر وثائق تؤكد مصرية الجزيرتين، ولعلها المؤسسة القومية الوحيدة التي فعلت ذلك، بينما باقي الصحف كانت تسير في ركب الرئيس والحكومة.
وعلى صفحته على فايسبوك، نشر علاء العطار صوراً لفريق العمل في «الأهرام العربي» وهم يوزعون «الشربات» فرحاً وابتهاجاً بالحكم. وعلى صفحته أيضاً، استقبل عبارات التهنئة، والمباركة على الحكم، ووصفه بعضهم «بالمستبيع» أو «المستغني» كون معركته على مصرية الجزيرتين قد تكون تذكرة إنهاء رئاسته لتحرير مجلة «الأهرام العربي».

هناك جنود
مجهولون كانوا بالفعل أبطال معركة تيران وصنافير

وأمس أيضاً، تم الاحتفاء بالصحافي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير جريدة «المقال»، الذي كان معارضاً شرساً لاتفاقية تيران وصنافير منذ اليوم الأول، وكان مدافعاً قوياً وصلباً عن مصريتهما. وتعدّ الصحافية في «المقال» رنا ممدوح أحد أسباب الحكم ببطلان الاتفاقية، إذ استعانت المحكمة في حكمها الأول بما أوردته ممدوح من معلومات في مقال نشرته في «المقال». وكانت هذه المرة الأولى التي تستعين فيها محكمة مجلس الدولة بمقال صحافي، في حيثيات حكمها.
ولم يكن عيسى معارضاً للاتفاقية في صحيفته فحسب، بل أيضاً في برنامج «مع إبراهيم عيسى» (قناة القاهرة والناس) الذي أوقف بداية العام الحالي، فكان يؤكد دوماً عدم حق رئيس الجمهورية أو الحكومة في التفريط بشبر واحد من الأراضي المصرية. موقف دفع ثمنه، ومن المتوقع أن يدفع ثمنه في الفترة المقبلة، لكن هذا الثمن لا يوازي الفرحة التي كانت في نبرة عيسى بعد الحكم أمس؛ نبرة فرح ممزوجة بدموع الانتصار.
ويمكن القول إن إبراهيم عيسى، وعلاء العطار، ورنا ممدوح، هم من أبطال تلك المعركة التي انتصرت فيها المحكمة للرأي العام. كان الثلاثة من بين المعبّرين بقوة عنه، بل في أحيان كثيرة من المحرّضين على تشكيله، والمشاركين في توعيته، وهو ما ظهر في التعاطي مع القضية، إذ كانت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ساحة تظاهر فرحاً بالحكم، وابتهاجاً بالنصر، بل حتى النطق بالحكم، إذ انتشر «هاشتاغ» «#تيران_وصنافير_مصرية» قبل انعقاد جلسة الحكم. وتفاعل كثيرون مع هذا «الهاشتاغ». بعد إصدار الحكم، تحولت حالة القلق التي كانت سائدة إلى ثقة كبيرة، بل مطالبة بمحاكمة رئيس الجمهورية والحكومة وكل من دافع عن سعودية الجزيرتين.