تونس | في منتصف الأسبوع الماضي، بدأت القوات التابعة لتنظيم "داعش" في مدينة سرت هجوماً "مباغتاً" ضد كتائب مدينة مصراتة، فاستولت على عدة بلدات إلى الغرب من سرت، أبرزها بلدة أبو قرين (مئة كلم عن مصراتة) التي كانت تُعد حتى وقت قريب أول جبهة للتصدي لمسلحي التنظيم الإرهابي.ويأتي هذا الهجوم المباغت في ظل ظرف لم تلتق فيه بعد أبرز القوى السياسية حول المسار السياسي الذي رسمه "اتفاق الصخيرات" (الموقع في نهاية العام الماضي)، وبخاصة حول منح "حكومة الوفاق" برئاسة، فائز السراج، الثقة من قبل مجلس النواب (طبرق) واستكمال "بناء القوات المسلحة وتوحيدها ضمن قيادة واحدة".
تزامناً، برز في الساعات الأخيرة إعلان من جانب واحد، أطلقته قوات الفريق خليفة حفتر "لتحرير سرت" بعد "استكمال تحرير" بنغازي ومدينة أجدابيا، وهو ما عدته "حكومة الوفاق" والمبعوث الأممي، مارتن كوبلر، إعلانا غير شرعي "لأن القيادة العليا للجيش الليبي من صلاحيات رئيس المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، برئاسة السراج".
ولا يبدو أن الظرف في طريقه للانفراج سياسيا، إذ إن كل الأطراف اختارت أسلوب "القفز إلى الأمام" أو "سياسة الهرب"، وخاصة أنه في ظل خطوة حفتر وهجوم "داعش" على ثلاثة محاور إلى الغرب من مدينة سرت، فإن حكومة السراج اختارت من جهتها ــ بوصفها تمثل شرعياً القيادة العليا للجيش ــ خطوة مماثلة حين أعلنت إنشاء غرفة عمليات مشتركة تتكون أغلب قياداتها من مدينة مصراتة (العميد طيار مفتاح عبجة، العقيد ركن سالم جحا، العقيد إبراهيم فلغوش، العقيد محمد عجاج، إلى جانب آمرها، العميد بشير القاضي).
وقد لا يشير هذا التحرك إلا إلى أن القوتين ستكونان في مواجهة بعضهما بعضا في ميدان واحد قرب سرت، الأمر الذي يصب في مصلحة "داعش" الذي بدا أنه قرأ الميدان بشكل جيد وتوجه لاحتلال مناطق قريبة من المحوّل الغربي لسرت في الطريق إلى مصراتة.
في ظل تلك الأوضاع، تحولت أنظار المتابعين إلى القاهرة حيث حطّ فائز السراج أول من أمس، برفقة نوابه، موسي الكوني، أحمد امعيتيق، وفتحي المجبري، وذلك بهدف "طلب دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي... والقيام بالضغط على الفريق خليفة حفتر ونواب طبرق المقاطعين لعملية منح الثقة، وأيضاً لخوض معركة تحرير سرت من الإرهاب بقيادة موحدة"، وفق ما ذكر مصدر قريب من السراج لـ"الأخبار".
فائز السراج يلتقي السيسي في القاهرة طلباً للضغط على خليفة حفتر

ووفق عدد من المراقبين، فإن لمصر دورا كبيرا في الضغط على الفريق خليفة حفتر وعلى الجانب الرافض لـ"حكومة الوفاق"، وخصوصاً أنّ مصر (ومن خلفها دولة الإمارات) تدعم حفتر ماديا ولوجستيا في حربه في المدن الشرقية، ويبدو أنها تدعمه راهناً في "عملية تحرير سرت".
وفي بيان صادر عن الرئاسة المصرية عقب اللقاء، فإن السيسي "أكد مواصلة مصر دعمها للمجلس الرئاسي، وللمؤسسات الليبية، ومن بينها الجيش الوطني (الذي يقوده حفتر)"، مشيراً إلى "أهمية الحفاظ على تلك المؤسسات بما يمكّنها من بسط سيطرتها على كامل الأراضي، واستعادة الأمن في البلاد، ومكافحة الإرهاب". وذكر البيان أن "اللقاء تناول آخر التطورات على الساحة الليبية والجهود المبذولة من أجل استكمال التوافق الليبي، وقد جرى التأكيد على أهمية العمل على تحقيق التوافق، عبر قيام مجلس النواب باعتماد الحكومة في أقرب وقت، وذلك حتى يتسنى للشعب البدء في إعادة بناء بلاده، وإعمارها إلى جانب التركيز على محاربة الإرهاب، بما في ذلك تنظيم داعش".
ويعكس بيان الرئاسة المصرية بصورة واضحة أنّ القاهرة تشترط ضمان موقع حفتر في الجيش وضمن العملية السياسية حتى تقوم بالضغط لقبول حكومة السراج.
وأمس، دعا السراج الدول العربية لدعم بلاده من أجل رفع الحظر المفروض على توريد الأسلحة إليها، وتمكينها من مكافحة تنظيم "داعش". وقال، في كلمته أمام الاجتماع التشاوري لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، الذي عقد في القاهرة بحضور الأمين العام للجامعة نبيل العربي: "من غير المعقول أن يؤيد المجتمع الدولي حربنا ضد الإرهاب ويمنعنا من التسليح". ودعا السراج إلى "زيارة الوفود العربية لليبيا في القريب العاجل وفتح أفق جديد لإرجاع ليبيا على الخارطة السياسية والاقتصادية وعودة البعثات الدبلوماسية".
وتأتي زيارة السراج إلى القاهرة بعد يومين من زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس حكومة إلى طرابلس بعد دخول فريق السراج إليها، تتمثل في زيارة رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، وذلك في وقت يظهر فيه جلياً عدم تقارب وجهات النظر بين الدول الإقليمية المنقسمة بين تونس والجزائر من جهة، واللتين تريان أنّ الحل الأمثل للأزمة الليبية يكون بالتوافق ضمن منطق "براغماتي" يجمع كل الأفرقاء بعيدا عن منطق الاقصاء، في مقابل مصر التي ترى أن فريق السراج يسيطر عليه "الاخوان" والإسلاميون، وهي تصرّ على بقاء حفتر ضمن أي معادلة جديدة.