إسطنبول | ربما هو الشعور بالذنب وعذاب الضمير الذي يدفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبرئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو، ليعودا إلى الهجوم العنيف على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.دقائق قليلة فصلت بين إصدار المحكمة المصرية حكماً بالإعدام بحق الرئيس المعزول محمد مرسي، وشنّ أردوغان هجوماً عالي النبرة في إسطنبول خصّصه لتقريع النظام المصري، إذ توجه إلى نظيره بكلام وبنعوت لاذعة. وهو ما فعله أيضاً أوغلو، في محاولة منهما لتحريك الشارع التركي عبر قضايا خارجية ــ منها قضية مرسي «الإسلامية»، أو سوريا .

وقد جاء خبر مرسي في الوقت الذي أسقطت فيه الطائرات التركية طائرة مراقبة صغيرة من دون طيار قرب الحدود مع سوريا. وبرغم بيان هيئة الأركان التركية الذي اعترف بأن الطائرة من دون طيار، فقد أصرّ أوغلو على أنها طوافة تم إسقاطها لأنها اخترقت المجال الجوي التركي لمسافة سبعة أميال، فذهب مهدّداً ومتوعّداً النظام السوري بالرد الحازم.
حماسة الناخب التركي، الذي عوّده أردوغان على «الاستعلاء والتكبر والتحدي لكل الأعداء، أياً كانوا»، يعاود الرجل ومعه أوغلو استغلالها من جديد، خدمةً للحملة الانتخابية، بعدما بيّنت استطلاعات الرأي أنّ الناخب التركي غير راض عن أداء الحكومة اقتصادياً، وهو ما أدى إلى تراجع شعبية «حزب العدالة والتنمية» من نسبة ٤٣٪ في الانتخابات البلدية العام الماضي إلى ٣٨٪ حالياً، إذ سيكون هذا التراجع الخطير سبباً كافياً للحديث أكثر عن قضايا خارجية، كفلسطين وسوريا والعراق ومصر.
انطلاقاً من هنا، لا بد أن يأخذ الهجوم على السيسي طابعاً أعنف، مقارنةً بما كان يحدث سابقاً، خاصة أن أردوغان وأوغلو هما من ورّطا مرسي ومنعاه من الحوار مع العسكر قبل «انقلاب يوليو ٢٠١٣». وكان أوغلو قد اعترف بعد «الانقلاب» بأنهم أرسلوا رئيس جهاز المخابرات، حقان فيدان، عدة مرات إلى القاهرة، حيث التقى مرسي في ذلك الوقت، كذلك تحدثت المعلومات عن توصيات من أردوغان نقلها فيدان لمرسي تدعوه للمواصلة في سياساته التصعيدية ضد العسكر، وألا يستسلم لهم وألا يتراجع عن قراراته في ما يتعلق بتغيير وكيل النيابة العامة، وبتعيين أنصاره في أسرع ما يمكن في أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة.
وتعليقاً على قرار المحكمة المصرية، قال أردوغان: «للأسف، فإن مصر تعود نحو الوراء. لقد حُكم على الرئيس المصري محمد مرسي بالإعدام، وهو الذي وصل إلى سدّة الحكم بعد حصوله على 52 % من الأصوات الانتخابية. وللأسف لا يزال الغرب يحجم عن اتخاذ موقف إزاء السيسي الانقلابي، في الوقت الذي يلغي فيه الغرب عقوبة الإعدام لديه ويقف موقف المتفرج على قرارات الإعدام هذه في مصر».
ولفت أردوغان إلى أنه تعرض للمحاكمة من «الانقلابيين في تركيا... بسبب أبيات من الشعر» قرأها (عام 1998)، وحكم عليه إثر ذلك بالسجن «زوراً وبهتاناً»، وأقصي عن رئاسة بلدية إسطنبول. وذكّر بأنّ «الانقلابيين أوقفوا مشاريع خدمية كان قد وضع الحجر الأساس لها»، في إشارة إلى القرارات الصادرة عن الجيش التركي في اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 28 شباط 1997، وما تلاها من أحداث نتج منها استقالة رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، وإنهاء حكومته.
وأشار أيضاً إلى أن السنوات التي تلت تلك الأحداث «المظلمة» حملت معها الكثير من التغيرات، إذ «قام الشعب» بإيصاله إلى رئاسة الوزراء، ثم شكر أردوغان خلال كلمته في سلطان غازي سكان المنطقة على منحه 61.5 % من الأصوات خلال انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة، مشدداً على «أهمية موقف الشعب التركي إزاء المتغيرات السياسية، وأهمية صوته الانتخابي في الانتخابات العامة (التي ستجري يوم 7 حزيران المقبل) في بناء تركيا الجديدة».
من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء التركي، معلقاً على حكم الإعدام، إنّ «المهانة والآلام التي شهدتها تركيا قبل 55 عاماً، تتكرر اليوم في مصر». ووجّه داود أوغلو خطابه لوسائل الإعلام والبلدان الغربية، قائلاً: «أين أنتم عندما يُحكم بالإعدام على رئيس منتخب عبر صناديق الاقتراع؟ أين أولئك الذين بدؤوا بإعطاء الدروس خلال أحداث متنزه غزي بارك (في إسطنبول)؟».
وأشار أوغلو إلى خبر تناولته وكالة «دوغان» الإخبارية التركية، حول الحكم بإعدام مرسي تحت عنوان «الحكم بالإعدام على مرسي الذي أصبح رئيساً بفوزه بنسبة 52% من الأصوات»، معلناً: «إذا كانوا يقصدون بذلك الإيحاء لرئيسنا السيد رجب طيب أردوغان، الفائز بنسبة 52% من الأصوات، فليعلموا أن هذه الأرض لن تشهد مجدداً إرسال رئيس جمهورية أو رئيس وزراء إلى الإعدام».
حتى إنّ وزير الطاقة التركي، تانر يلدز، تدخّل، معرباً عن ثقته بعدم تنفيذ قرار الإعدام. وقال: «نعتقد أن المفتي سيعيد مصر إلى امتحان الإنسانية والإسلام الذي سقطت فيهما سابقاً».
عموماً، وفي الإطار الإقليمي، لا بد أن يستغل الرئيس التركي قرار المحكمة المصرية ليقنع الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، بصحة موقفه الرافض للمصالحة مع الرئيس المصري، الذي يبدو أنه خيّب آمال القيادة السعودية خلال أزمة اليمن حينما رفض إرسال الجيش المصري للقتال إلى جانب السعوديين. وقد يساهم مثل هذا التقارب الفكري بين أردوغان وسلمان في مزيد من التنسيق والتعاون العملي ضد سوريا والعراق، الأمر الذي بدأ أساساً قبل شهرين تقريباً، أي قبل سيطرة الجماعات المسلحة على مدينتي إدلب وجسر الشغور في الشمال السوري. كذلك سيستغل أردوغان فشل سلمان وزعماء الخليج في إقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما في موضوع إيران، ليحاول الظهور كالمتفهم الوحيد لأفكارهم ولسياساتهم الإقليمية التي تعني العداء لإيران ولكل حلفائها في المنطقة، وهم جميعاً أعداء أردوغان، الذي سيسعى إلى إقناع الملك سلمان بأن السيسي أيضاً عدوّ له!