بدا المؤتمر الاقتصادي للاستثمار في مصر، الذي بدأ أمس وتؤمه وفود عشرات الدول والمؤسسات الدولية لثلاثة أيام، أنه يقدّم دعماً سياسياً لمصر بعنوان اقتصادي، في وقت يقول فيه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إن بلاده تخوض معركة طويلة وصعبة مع «الإرهاب». فمجدداً، منحت دول الخليج دعماً سخياً لحليفتها مصر، إذ تعهدت في المؤتمر المنعقد في مدينة شرم الشيخ، في جنوب سيناء، بضخ مليارات الدولارات على صورة استثمارات ثم ودائع في البنك المركزي، وذلك في خطوة من شأنها تعزيز مساعي السيسي لإتمام «خريطة الطريق» التي أعلنها بعد عزل محمد مرسي، وتحقيق نمو خلال السنوات المقبلة يضمن له الاستمرار في الحكم لولاية أخرى.
وتعهدت السعودية والكويت والإمارات وسلطنة عمان في مؤتمر «مصر المستقبل»، بتقديم دعم إضافي لمصر بإجمالي 12.5 مليار دولار، وذلك بعدما تلقت القاهرة، على مدى 18 شهراً مضت، منحاً ومساعدات بترولية وودائع في «المركزي» من الدول الثلاثة الأولى بأكثر من 23 مليار دولار، كانت «شريان حياة» لاقتصادها المثقل بالمتاعب.
السيسي: الإخوان هم الأب الروحي لكل المنظمات الإرهابية

وأعلنت الكويت أن أجهزة الاستثمار التابعة لها ستوجه أربعة مليارات دولار في قطاعات الاقتصاد المصري، وستقدم الرياض أربعة مليارات أخرى «تشمل وديعة بمليار دولار في البنك المركزي والباقي مساعدات تنموية». أما الإمارات، فقدمت مبلغاً مشابها لكنها ستضع ملياري دولار كوديعة في «المركزي» ومليارين آخرين لتنشيط الاقتصاد المصري «عبر مجموعة من المبادرات التي سيُعلن عنها لاحقاً» لتزيد بذلك على 14 ملياراً قدمتها خلال عامين إلى القاهرة. لكن عُمان اكتفت بتقديم معونة مالية بقيمة 500 مليون دولار «تصرف على مدى خمس سنوات مقبلة، 250 مليوناً كمنحة لدعم السيولة المالية و250 مليوناً في شكل استثمارات».
السيسي، الذي جلس في القاعة بين أمير الكويت صباح الأحمد الصباح وولي عهد السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز، عرض الملامح الرئيسية للسياسة الاقتصادية التي تنتهجها البلاد لتحقيق التنمية الشاملة، والتي قال إنها تهدف «إلى زيادة معدل النمو إلى ما يزيد على 6 في المئة على الأقل خلال خمس سنوات مقبلة، بالتوازي مع خفض نسبة البطالة إلى 10 في المئة»، علماً بأن الإحصاءات الرسمية تقول إن المعدّل الرسمي للبطالة يبلغ نحو 13 في المئة، لكن يُعتقد أن المعدل الحقيقي أعلى بكثير.
ورسم الرئيس المصري، في كلمته الافتتاحية، ملامح «مستقبل مصر»، قائلاً إن المحور الأول في خطة التنمية هو «استعادة استقرار الاقتصاد الكلي للدولة والتوازن المالي عبر خفض عجز الموازنة العامة للدولة وترسيخ مبادئ العدالة الضريبية». وأضاف أن المحور الثاني هو «تحسين بيئة الاستثمار والعمل على جذب الاستثمارات بعد تنفيذ حزمة من الإصلاحات التشريعية المهمة، واتخاذ خطوات رائدة لمعالجة العقبات التي تعوق القطاع الخاص والأجانب»، في إشارة إلى قانون الاستثمار الذي يحوي تسهيلات كبيرة لاقت انتقاداً قانونياً وسياسياً. وقال الرجل أيضاً إن مصر تعمل على إقامة مشروعات طموحة وتوفير فرص واعدة للمستثمرين، مشيراً إلى أن هناك آفاقاً ضخمة تحققها تلك المشروعات بمشاركة القطاع الخاص (المحور الثالث)، لتوفير فرص عمل كثيرة.
أما مقرن بن عبد العزيز، فاستغل كلمته، التي كانت الثالثة بعد السيسي وأمير الكويت، ليتحدث عن إدانة المملكة «بشدة ما تشهده مصر الشقيقة من حوادث إرهابية تهدف إلى تعكير صفو الأمن والتشويش على مسيرة الاستقرار والنمو». وأضاف أن بلاده ثابتة على موقفها الداعم «لتثبيت الأمن ووضع الاقتصاد على مسار التعافي» في أكبر الدول العربية سكاناً.
وبالنسبة إلى كلمة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، فإنه ذكر أن بلاده «ستدعم التقدم الاقتصادي لمصر بكل ما في وسعنا». وأضاف: «سوف نعمل معكم لتحقيق الأهداف الطموحة التي عرضتموها... ما من شك في أن ظهور مصر قوية ومزدهرة وديموقراطية أمر حيوي بالنسبة إلى قوة وازدهار المنطقة». ويرى مراقبون أن مشاركة كيري، ومعه نظيره البريطاني فيليب هاموند، تؤكد الفكرة القائلة إن السيسي بات حليفاً لا يمكن الاستغناء عنه في العالم العربي. وقد أكّد ذلك نائب رئيس وزراء إسبانيا (عضو التحالف الدولي ضد داعش)، مانويل خوسيه، الذي قال إنّ «الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب ليست فقط حرب مصر (بل) إنها حرب لمصر ولكل الشرق الأوسط وللعالم بأسره».
وفي وقت قال فيه وزير الاستثمار المصري، أشرف سالمان، إن بلاده تتوقع إبرام اتفاقات تراوح قيمتها بين 15 و20 مليار دولار على الأقل، نقل عنه قوله إن المؤتمر سيشهد توقيع مذكرة تفاهم لإقامة عاصمة إدارية جديدة بتكلفة 40 مليار دولار وحدها. والعاصمة الجديدة من المخطط أن ينقل إليها كل الوزارات المختلفة بعيداً عن الازدحام في القاهرة، وسيكون موقعها في طريق القاهرة ـ العين السخنة، وستضم حياً دبلوماسياً للسفارات، ومقارّ للشركات والمؤسسات الدولية الكبرى، وعدداً من الجامعات والفنادق الكبرى.
وذكرت مصادر أخرى، أن مذكرة التفاهم تم توقيعها مع رئيس مجلس إدارة شركة «إعمار» الإماراتية، محمد العبار، وتضمنت حق الشركة في التنفيذ الكامل لمشروع العاصمة الإدارية على مساحة تزيد على 17 ألف فدان، على أن ينتهي التنفيذ خلال تسع سنوات، وإلى حد أقصى 12 عاماً.
أما عن روسيا، فقالت مصادر إن حجم التبادل التجاري بين القاهرة وموسكو تخطى خمسة مليارات دولار، بجانب الدعم اللوجستي المتوقع في مشاريع الطاقة النووية وصفقات الأسلحة.
بالعودة إلى كلام السيسي، فإنه قال إن الاستراتيجية الخاصة بالتنمية المستدامة قائمة حتى عام 2030 «لبناء مجتمع حضاري»، شارحاً أن «إعادة تقسيم المحافظات يخلق مساحات أخرى للسكان والزراعة، إلى جانب خلق ظهير صحراوي في المحافظات».
وبشأن الوضع الداخلي والإقليمي، أكد الرئيس المصري أن شعبه «دافع على مر التاريخ عن أمن بلاده والمنطقة»، مشيداً بما سمّاه تفهم الشعب للإجراءات التي اتخذتها الدولة خلال المرحلة الماضية.
وقد استبق السيسي ذلك كله بحوار نشرت مقتطفات منه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، ليل الخميس، إذ قال إنه يحارب لإبعاد «قوى الفوضى»، معتبراً جماعة الإخوان «المنظمة الأم للفكر المتطرف»، وأن أعضاء الجماعة هم «الأب الروحي لجميع المنظمات الإرهابية، وينشرونه في جميع أنحاء العالم». أيضاً أقر السيسي بوجود صعوبات تواجه العلاقة بواشنطن، قائلاً: «أعتقد أن لدينا سوء فهم. ويبدو أننا لا يمكن أن نوصل صوتنا بطريقة واضحة كما ينبغي... رغم ذلك، فإن المخاطر التي تحيط بهذه المنطقة واضحة، وأعتقد أن الولايات المتحدة تتابع عن كثب كيف يهددها (المنطقة) الإرهاب». ورداً على تساؤل عن شراء مصر أسلحة من روسيا، قال: «قرابة 50% من معدات القوات المسلحة المصرية هي بالفعل معدات روسية... نحتاج من الولايات المتحدة أن تفهم بوضوح أن هناك فراغاً استراتيجياً في هذه المنطقة. فهناك دول تعاني من التفكك والانهيار الأمني... كيف يمكنني أن أحمي بلادي؟»، منبهاً إلى أن «مصر يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة، فإذا فشل هذا البلد، فسوف تنزلق المنطقة بالكامل في دوامة من الفوضى التي من شأنها أن تمثل خطراً جسيماً على جميع البلدان، بما فيها إسرائيل... وسوف تمتد إلى أوروبا».
(الأخبار، رويترز، أف ب، الأناضول)