حيفا ــ فراس خطيبيعود رئيس حزب «الليكود»، بنيامين نتنياهو (بيبي)، إلى الحلبة السياسية الإسرائيلية بقوة، من دون أن يحمل في ثناياه مضامين جديدة، ومن دون أن يطرح بديلاً قوياً على ساحة الصراع، لكنّه استمد قوته من ضعف الآخرين: من تسيبي ليفني المتجهة إلى الانتخابات العامة بعد فشلها في تأليف حكومة، ومن إيهود باراك، القائد الذي وعد بتوحيد صفوف حزب «العمل» ففرَّقها أكثر مما كانت عليه، وإيهود أولمرت، الذي لم يترك على مدى الأعوام الماضية إخفاقاً إلا ومارسه، معيداً إلى نتنياهو هيبته بعدما انحدر إلى الدرك السياسي الأسفل قبل ثلاثة أعوام فقط.
«بيبي» لم يتغيّر، لكن كل شيء من حوله تغيّر. لم يعلن موقفاً مغايراً أو خطوة تقلب معايير الإسرائيليين، لكنّ مجريات الحلبة السياسية أسهمت ببزوغ نجمه من بين الخراب. عندما انسحب أرييل شارون من «الليكود» في عام 2005 وأسس «كديما»، سقط «الليكود» من رأس الهرم إلى أسفله. لكنّ غياب شارون عن رئاسة الحزب والحلبة السياسية عامةً، منح نتنياهو فرصة لاستعادة القوة، في ظل حكومة «كديما» التي اتخذت من «عدم الحسم» سياسة: إخفاق في لبنان وشهادة إدانة من «فينوغراد» وتهدئة مفروضة مع غزة، وازدياد في قوة حزب الله وتوتر عند الحدود السورية.
تلك الإخفاقات أعادت «الرونق» إلى «الليكود». الإعلام الإسرائيلي الذي ركّز في الماضي على المحسوبيات ومقاولي الأصوات والصفقات في مركز الحزب، وجد نفسه اليوم يغطي «عودة النجوم» إلى نتنياهو. تلك العودة التي منحت «بيبي الجديد» حسماً مبطناً للحرب على خصومٍ قدماء يعودون اليوم للجلوس إلى جانبه؛ دان ميردور، الذي وصف نتنياهو في السابق بأنه «يجعل من الكذب فناً»، جلس إلى جانبه ومدح قيادته. وكذلك «الأمير المستقيم»، بنيامين (بيني) بيغن، نجل مناحيم بيغن، الذي «دفع ثمن استقامته» وانسحب من حزب «الليكود» في أعقاب توقيع نتنياهو على اتفاقية الخليل في عام 1997، عاد ليقول إن نتنياهو «تغيرّ». ليليَ الاثنين قائد هيئة الأركان السابق بوغي يعالون، الناقم على شارون وشاؤول موفاز بعدما قررا عدم تمديد ولايته في عام 2005، ليجد نفسه اليوم في المعسكر القوي ضد «كديما».
هكذا تذكر حال نتنياهو بحال شارون عند تأسيسه «كديما»، حين بدأ النجوم يتهافتون إليه وكأنه «الطريق الصحيح» بعد «ضياع الخيارات». لكنَّ لا أحد يضمن اليوم استمرار هالة «القائد العائد»، فالحلبة السياسية تعي جيداً الحياة في ظل «رجل التقلبّات» نتنياهو. الإعلام، الذي يقف جانباً اليوم، ويكتفي برصد ما يجري من دون مهاجمته، لن يسمح له بأي خطأ مستقبلي. فهو صاحب أرشيف كبير في السلوكيات الغريبة. هو الذي سأل ذات اجتماع: «هل يوجد شخص غير ليكودي في القاعة؟» وعندما هتف الجمهور بـ«لا» خلع واقي الرصاص وجرّ انتقاداتٍ شديدة اللهجة إليه. وهو الذي قال إنه لن يوقع أي اتفاقية مع الفلسطينيين، ووقع مباشرة اتفاقية الخليل.
كذلك، فإن «تهافت النجوم» على نتنياهو قد يتحوّل إلى «حرب النجوم». فثمة 16 شخصاً في «الليكود» يرون أنفسهم وزراء، في وقت أنَّ عدد حقائب «الليكود» في أي حكومة قد يؤلفها لن تتجاوز عشر حقائب. نتنياهو وعد بطريقة غير مباشر «النجوم» الجدد بحقائب، ليتحول التنافس على الحقيبة إلى مشكلة معقدة، ستكون خيبات أمل حقيقية، ربما من النجوم الآتين، وربما ممن وقفوا إلى جانب نتنياهو طوال الوقت، في ظل هجرة قياديي «الليكود» إلى «كديما». وسيقف «القائد العائد» أمام سؤال صعب: هل سيبيعهم مقابل النجوم؟ أم أن النجوم سيكونون مجرد موجة ركبها نتنياهو وأوصلته إلى رئاسة الوزراء؟ وفي الحالتين أزمة.
في هذا الوقت، أظهر استطلاعان للرأي نُشرت نتائجهما أمس، تقدم حزب «الليكود» واستمرار تراجع مكانة حزب «العمل» لدى الجمهور الإسرائيلي. وتبين بحسب استطلاع «هآرتس» أن «الليكود» قد يحصل على 34 مقعداً (وفي استطلاع «يديعوت» 32) في مقابل 28 مقعداًَ لـ«كديما» (وفي «يديعوت» 26). كذلك، يتوقع أن تحصل الأحزاب العربية على 11 مقعداً.
وبيّن استطلاع «هآرتس» أن حزب «العمل» قد ينافس حزبي «شاس» و«إسرائيل بيتنا»، على المرتبة الخامسة، بحيث يحصل كل منها على عشرة مقاعد فقط، فيما أشار استطلاع «يديعوت» إلى أن العمل سيحصل على ثمانية مقاعد.
وبالإجمال، يُتوقع ـــ بحسب الاستطلاعين ـــ أن يحصل معسكر اليمين على 64 مقعداً، في مقابل 54 مقعداً لباقي المعسكرات مجتمعة، الوسط واليسار والأحزاب العربية.
وتعليقاً على نتائج الاستطلاعات، أطلق رئيس حزب «العمل»، إيهود باراك، النار في كل الاتجاهات، مؤكداً أنه ليس في كل معسكر اليسار الإسرائيلي شخصية مستعدة لتحمل الأخطار السياسية من أجل إيجاد فرصة لتحقيق السلام أكثر منه «باستثناء إسحاق رابين».