تراجع بطيء لا يعكس الواقع... والاحتكار سيد القرار رشا أبو زكي
شهدت الأشهر التسعة الأولى من عام 2007 ارتفاعاً كبيراً في الأسعار في لبنان، شمل جميع المواد الاستهلاكية والخدماتية من دون استثناء، حينها كانت المبررات الرسمية تشير بأصابعها إلى ارتفاع أسعار المحروقات، وارتفاع سعر صرف اليورو في مقابل الدولار، على اعتبار أن نحو 45 في المئة من وارداتنا تأتي من دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن الارتفاع الغريب في الأسعار وصل بحسب مؤسسة البحوث والاستشارات إلى 11،5 في المئة سنوياً، فيما كانت دول الاتحاد الأوروبي تمر في ذروة تضخمية لم تتعدّ الـ 4 في المئة. رئيس مؤسسة البحوث الدكتور كمال حمدان، علّل هذا الفارق بين نسب التضخم بأنه ناتج من بنية احتكارية تسيطر على السوق اللبنانية... أما اليوم، فقد «وقعت الواقعة»: الأسعار العالمية للمواد الغذائية الأساسية، وخصوصاً الحبوب تراجعت نحو 30 في المئة، أما برميل النفط، فانخفض إلى 63 دولاراً بعدما وصل إلى 147 دولاراً في الأشهر السابقة، فيما اليورو يسجل أدنى مستويات الصرف أي بحدود 1،28 دولاراً، إضافة إلى ذلك فقد أعلن وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي في مطلع آب الماضي تحديد هوامش الأرباح إلى 27 % للمستهلك... وفي ظل تطوّر جميع هذه المعطيات، واتجاه أسعار معظم السلع والخدمات إلى الانخفاض عالمياً، لا يشعر المواطنون اللبنانيون بأي انخفاض في الأسعار، لا بل يشهدون ارتفاعاً في أسعار بعض السلع!

انخفاض بطيء

إذ تشهد أسعار جميع الأجهزة الكهربائية المستوردة ثباتاً في الأسعار، فيما ارتفعت أسعار عدد من السلع الغذائية ارتفاعاً ملحوظاً خلال الشهر الحالي، ومنها مشتقات الحليب، وخصوصاً اللبنة والجبن بقيمة ألف ليرة، وكذلك أسعار المعلبات ومنها المايونيز والكاتشاب والسردين بين 250 و500 ليرة. وشمل الارتفاع كذلك أسعار الخضر، فزاد سعر كيلوغرام البطاطا والبندورة من 1000 ليرة إلى 1500 ليرة... فما هو لغز الأسعار في لبنان؟
يقول حمدان لـ«الأخبار» إن مؤشر مؤسسة البحوث والاستشارات سجل زيادة في الأسعار بين آب من عام 2007 وآب من عام 2008 نسبتها حوالى 13،5 في المئة، فيما سجل بين أيلول 2007 وأيلول الماضي ارتفاعاً بنسبة 11،8 في المئة. إذن الانخفاض بدأ... ولكن ببطء شديد لا يعكس تماماً الانخفاض الحقيقي المفترض في الأسعار.
ويوضح حمدان أن المواد الغذائية تمارس نوعاً من المقاومة ضد انخفاض الأسعار، حيث سجلت بين آب 2007 وآب 2008 ارتفاعاً بنسبة 20 في المئة، ليصبح في أيلول 2007/2008 حوالى 19،3 في المئة. وبالتالي، فإن الانخفاض الذي تشهده هذه المواد لا يزال بطيئاً، على الرغم من أن المواد الأساسية الداخلة في الغذاء، وخصوصاً الحبوب منها تشهد انخفاضاً عالمياً كبيراً قياساً إلى الأشهر الماضية. ويشير حمدان إلى أن مؤشر النقل والاتصالات يشهد كذلك انخفاضاً، فقد شهدت هذه الخدمات ارتفاعاً بين آب 2007 وآب 2008 بحوالى 14،4 في المئة، إلا أن هذا المؤشر سجل ارتفاعاً بنسبة 12،5 في المئة مقارنةً بين أيلول 2007 وأيلول 2008. ويرجّح حمدان، أن يُظهر مؤشر المؤسسة انخفاضاً في الأسعار في تشرين الأول، ولكنه لا يتناسب مع الانخفاضات العالمية.
وفي دراسة عوائق ارتفاع الأسعار، تطفو على السطح معطيات كثيرة، فمع توطّد البنية الاحتكارية المسيطرة على الأسواق اللبنانية، وتحّكم قلة من المستوردين في العرض والطلب، وفي تحديد الأسعار بغضّ النظر عن تلك المتوافرة عالمياً، تأتي الممارسات الحكومية لتزيد الطين بلة، فقد التزم وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان بقرار الحكومة القاضي باستعادة الرسوم على البنزين، وهكذا جرى تثبيت سعر صفيحة البنزين عند المستهلك اللبناني بـ 22800 ليرة مهما انخفضت أسعار البنزين عالمياً!
وتشير مصادر نفطية، إلى أن سعر البنزين انخفض منذ ثلاثة أسابيع (عند تثبيت السعر) حتى يوم أمس من 564 دولاراً إلى 483 دولاراً، وبالتالي يبلغ سعر صفيحة البنزين حالياً 22800 ليرة، فيما يجب أن يكون وفق الأسعار المسجلة عالمياً 19150 ليرة. ما يعني أن الدولة تقتطع عن كل صفيحة بنزين حالياً 3650 ليرة. وتلفت المصادر إلى أن رسم الدولة على البنزين سيرتفع الأسبوع المقبل 2000 ليرة على كل صفيحة!
وفي الوقت نفسه، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي خفض كلفة النقل من 2000 ليرة إلى 1750 ليرة، بحيث لم تعد التعرفة إلى مستواها الذي كان معتمداً قبل ارتفاع الأسعار وهو 1500 ليرة، وعلى الرغم من أن هذا القرار الذي مثّل عامل ضغط إضافياً على المواطن، فإن التعرفة الجديدة لم تطبّق، ويشير المدير العام للوزارة عبد الحفيظ قيسي لـ«الأخبار» إلى أن وزارة الداخلية هي التي تراقب التعرفة، عبر تعميمها على الشرطة والمديرية العامة للأمن الداخلي. معتبراً أن الخفض الذي وصل إلى 1750 ليرة جاء وفق دراسة موضوعية دخلت فيها العناصر الـ 14 التي تدخل في تحديد تعرفة النقل، ومنها ارتفاع الأسعار القائم... ولكن ألا تنطبق هذه العناصر على المواطن كذلك؟ يقول القيسي: «قرارنا عادل»!

حلول غائبة

ومن المفترض أن يكون قرار وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي المتعلق بتحديد هوامش الأرباح التجارية على أن تصل إلى 27 في المئة للمستهلك، سبيلاً أساسياً لخفض الأسعار، والسيطرة على الاحتكار، إلا أن هذا القرار لا يزال غافياً من دون تطبيق، ولا تزال أرباح التجار والمستوردين تصل إلى ما بين 100 إلى 300 في المئة من سعر السلعة الحقيقي! ويشير مصدر في الوزارة إلى أن تطبيق هذا القرار يحتاج إلى جهاز تنفيذي، فيما لا يوجد في مصلحة حماية المستهلك سوى 40 مراقباً، 4 منهم سيحالون على التقاعد. أما السبب المحوري لعدم تطبيق القرار، فهو يد الاحتكار الفولاذية، التي تهدد بإسقاط القرار في مجلس شورى الدولة في حال تطبيقه! ولإيجاد حل للمشكلة، يدعو المصدر إلى إصدار قرار حكومي لوقف الغلاء في شتى القطاعات.
ويعلّق رئيس جمعية المستهلك زهير برو على هذا الموضوع، بأنه لا يوجد قرار بمتابعة قرار هوامش الأسعار، ولكن يبدو أن الحكومة لا تضع هذا الموضوع ضمن أولوياتها.


40 في المئة

هي نسبة انخفاض أسعار الخضر والفاكهة بحسب رئيس جمعية المزارعين انطوان حويك «إذا جرى تطبيق هوامش الأرباح»، لافتاً إلى أن ارتفاع أسعار البندورة والبطاطا يعود إلى قلة الإنتاج، وأن الأسعار ستنخفض الشهر المقبل بسبب بدء حصاد المواسم


معمل «سوليفر» يرفع أسعاره!