هآرتس ــ الوف بنبعد ثماني سنوات ونصف سنة من قيادة بلده، يحظى (الرئيس) بشار (الاسد) بالتكريم والتقدير اللذين كانا محفوظين في الماضي لأبيه. قادة أوروبا يقفون صفاً للقائه، ويرى مقربو الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، سوريا قاعدة لتوازن قوى جديد في المنطقة.
في إسرائيل أيضاً يتحدثون على نحو مختلف عن الأسد الابن، الذي يُنظر إليه على أنه جار مسؤول وجدي يمكن تنفيذ صفقات معه. يعتقد رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع ايهود باراك، ومعهما رئيس الأركان غابي أشكنازي ورئيس «أمان» عاموس يدلين، أن سوريا تستطيع تخليص إسرائيل من المعضلة الاستراتيجية التي دُفعت إليها منذ حرب لبنان الثانية. وهم يحلمون بشرق أوسط جديد تنفصل فيه سوريا عن إيران وحزب الله و«حماس»، وتنضم إلى إسرائيل والولايات المتحدة، في مقابل انسحاب إسرائيلي من الجولان و«مكانة خاصة» في لبنان.
كيف حدث له ذلك؟ مرت رؤية إسرائيل لبشار الأسد بثلاث مراحل. ففي فترة تأهيله عندما أعدّه والده للوراثة تأثروا بخلفيته «الغربية»، فهو طبيب عيون يعيش في لندن ويستعمل الإنترنت، واعتبروه طرازاً محسّناً قياساً بأبيه.
بعد الحماسة الأوليّة أتت خيبة الأمل والاستخفاف. فقد لاحظ يوسي بايدتس، الذي كان ضابط استخبارات المنطقة الشمالية، وهو اليوم رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية (أمان)، أن «الأسد يعمل بهدوء لتحسين ميزان القوى في مقابل إسرائيل». فبعد قصف محطة الرادار السورية في لبنان عام 2001، استقر رأيه على تغيير سياسة أبيه وتزويد حزب الله بسلاح سوري مباشرة. آنذاك فُتحت مخازن الجيش وخطوط إنتاج الصناعة العسكرية السورية وأصبح نصر الله ضيفاً ثابتاً في قصر بشار.
دفعت إسرائيل الثمن عام 2006، إذ إن أكثر القتلى الإسرائيليين في حرب لبنان الثانية، من المواطنين والجنود، أصيبوا بسلاح نقلته سوريا إلى حزب الله لا بسلاح إيراني.
عمل أرييل شارون وجورج بوش على عزل بشار، وسجّلا نجاحات لبضع سنين. خاف السوريون عشية الغزو الأميركي للعراق من أنهم التالون بعد ذلك، وأرسلوا اقتراح سلام إلى إسرائيل. في بداية عام 2005، عندما أصبح شارون حبيباً للمجتمع الدولي بسبب الانفصال عن غزة، طُرد الجيش السوري من لبنان. واتهمت الولايات المتحدة وفرنسا الأسد باغتيال رفيق الحريري، ليصبح الأسد المشتبه به الرئيسي في التحقيق الدولي.
تلقى بشار الإهانات وصرف اهتمامه إلى تعزيز سلطته في الداخل، وإلى جعل حزب الله ذراعاً استراتيجيّةً لسوريا في مقابل إسرائيل. أكدت الحرب في صيف 2006 صحة تصور «مقاومة» السوريين: فقد خرج حزب الله منتصراً وإسرائيل مهزومة خائفة. حسب رواية اولمرت، بدأ تلمّس السلام مع سوريا في شباط 2007 بزيارة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تركيا. وإذا كان الأمر كذلك فإن لعبة بشار آتت أُكلها: نصر حزب الله أخلّ بالسكينة الإسرائيلية ودفع اولمرت إلى أن يقترح الجولان للبيع من جديد إشفاقاً من تعزيز آخر لـ «محور الشر». وفيما يعرض اولمرت إحياء القناة السورية على أنه إجراء سياسي جريء. يمكن أن نرى هذا على نحو مختلف أيضاً: فقد نجح بشار عبر التوليف بين إجراءات القوة والدبلوماسية الحذرة وضبط نفس عسكري، في دق إسفين بين اسرائيل والولايات المتحدة، وأن يحظى بباب مفتوح في أوروبا من غير أن يقوم حتى بتفضل واحد. لا يزال السلاح يتدفق على حزب الله وتعمل قيادتا «حماس» و«الجهاد» كالعادة في دمشق. وقد عزز الأسد بنجاح الحلف الذي عقده أبوه مع إيران، ويلمح أيضاً إلى أنه سيتخلى عنه في مقابل صفقة أفضل مع اوباما.