خلافاً لكل الشائعات، لم يسجّل لغاية الآن انخفاض كبير في أسعار العقارات، لكن هذا لا يعني أن لبنان سيكون بمنأى عن التحولات العقارية في جميع دول العالم؟ المؤشرات تؤكد ذلك، وكذلك المطلعون على واقع السوق العقارية في لبنان

أيمن فاضل
الكل يتوقّع انخفاضاً في أسعار العقارات، لكن متى سيتحقق ذلك؟ إذ يؤكد المعنيون بالملف العقاري أن الأسعار تتحرك بين الثبات أو الارتفاع والانخفاض الطفيفين في بعض المناطق، وذلك على الرغم من جمود الطلب على العقار تأثراً بالأزمة المالية العالمية... فما الذي يبقي سعر العقار صامداً على ما هو عليه على الرغم من العرض الكبير الذي يقابله الطلب الشحيح؟، يؤكد رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية ـــــ بيبلوس، غسّان ديبة، أن الانخفاض في حجم الطلب في السوق العقارية لا يستدعي انخفاضاً مباشراً في الأسعار، لأن العارض يرفض خفض أسعاره مباشرة، وقد يفضِّل تجميد عقاره سنوات عديدة بدلاً من بيعه بسعر أدنى من المستهدف، على أمل ازدياد حجم العرض، ولكن ديبة يدحض الخرافة اللبنانية القائلة إن أسعار العقارات في لبنان ترتفع ولا تنخفض! وهو ما يشير إليه الخبير الاقتصادي، غالب أبو مصلح، الذي يتوقع أن تصل الأسعار، في أقصى الحالات، إلى 75 في المئة من أسعار الذروة التي بلغتها، حيث سجّلت ارتفاعاً بنسبة 200 في المئة في منتصف عام 2008، لكن أبو مصلح يؤكّد أن أسعار العقارات في لبنان ستنخفض انخفاضاً متزامناً مع انخفاض أسعار المواد الخام عالمياً.

لعبة العرض والطلب

كل المؤشرات تدل، وفق ديبة، على أن أسعار مواد البناء ستنخفض أكثر، ما سيؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات المبنية حديثاً نسبة إلى تلك التي شيّدت خلال ارتفاع الأسعار، ما سيؤدي حكماً إلى منافسة كفيلة بخفض الأسعار، ويرى أن انخفاض تحويلات اللبنانيين من أوروبا ودول الخليج سيكون من العوامل الأكثر قوة المؤثّرة في خفض الأسعار، هذا إضافةً إلى انخفاض حجم التسليف العقاري، وخصوصاً أن جزءاً كبيراً من القطاع مبني على التسليفات المصرفية، لافتاً إلى أن الخليج لم يتوقّع أن تمتد ذراع الأزمة إلى عقاراته، لكن بوادرها بدأت تظهر في المنطقة، وهو ما سيؤثر في سعر العقار عموماً.
وإن كان خفض معدلات القروض السكنية في المصارف التجارية أحد المؤشرات الأساسية لدراسة توجهات السوق العقارية، فإنه عادة لا تعترف المصارف بأنها خفضت حجم القرض الإسكاني لديها، ويؤكِّد موظّفو قسم الإسكان في عدد من المصارف أنهم لم يتلقّوا أي مذكرة إدارية تطلب منهم وقف هذا النوع من المعاملات، لكن عدداً لا بأس به من طالبي القروض السكنية، أكدوا لـ«الأخبار» أن المصارف تمارس تضييقاً عليهم، وتماطل في المعاملات مستخدمةً سلاح «الروتين الإداري». وهذا ما يرى المهندس باسم شهاب أنّه ممارسة طبيعية نتيجة لجميع التوقّعات التي تشير إلى أن أسعار العقارات ذاهبة نحو الانخفاض «لذلك تتردّد البنوك في منح القروض العقارية لكي لا تتعرّض لخسائر إذا انخفض سعر العقار».
ويشير تاجر العقارات، أحمد خزعل، إلى أنه لم يلحظ لغاية الآن انخفاضاً بالمعنى الواسع لأسعار العقارات، لافتاً الى أنه لا يتعدى، إن وجد، الـ 10 في المئة في بعض المناطق، لكنه توّقع المزيد من الانخفاض لأن السوق تعاني جموداً في الطلب، مقابل عرض كبير، لكن بأسعار مرتفعة سرعان ما ستنخفض بسبب المنافسة.
أمّا عن دور المستثمرين العرب في تحريك الأسعار، فيؤكد صاحب مؤسسة البحر المتوسط للمقاولات، أبو خالد ترمس، أن العرب يشترون مساحات كبيرة في الكثير من المناطق ويرفضون بيعها، ما أثّر في لجم العرض. فيما يشير المهندس والمقاول، علي حيدر حطيط، إلى أنه «لا انخفاض ضخماً في حجم الطلب الخليجي في مناطق الجبل، لكنْ هناك انخفاض في الطلب عموماً». متوقعاً انخفاضاً في أسعار العقارات يصل إلى 15 في المئة إذا استمر الطلب على وتيرته الحالية. مؤكّداً أن التجّار لم يلمسوا دخول الرساميل العربية بما يشبه الفترة نفسها من العام الماضي، مرجّحاً أن يكون ذلك نتيجة خسائرهم من الأزمة.

تغييرات ديموغرافية؟

وعلى الرغم من التوقعات والواقع الذي يشير الى انخفاض الأسعار، فإن أسعار العقارات في الضاحية الجنوبية لبيروت تسبح عكس التيار، ويوضح تاجر العقارات في منطقة الضاحية، علي محمّد سورية، أن الذين استأجروا خارج الضاحية بعد حرب تموز، عادوا إليها لشراء الشقق التي شيّدت حديثاً، متوقّعاً انخفاض الأسعار تماشياً مع أسعار السوق بعد الانتهاء من ورشة الإعمار، لكنّ شهاب يؤكِّد أنه من المتوقّع أن نشهد ازدياداً مطّرداً في حجم الطلب، وخصوصاً بعد الانتهاء من عملية إعادة الإعمار، ولا سيّما أن سبب عدم انخفاض الأسعار في الفترة الحالية ناتج من قرار لدى من اشترى بأسعارٍ مرتفعة يقضي بعدم البيع بأسعارٍ أقل، مشيراً إلى أنهم يبقون على سعر العرض نفسه، مع وجود استثناءات لا تمثّل حالة، وهم الذين يحتاجون إلى سيولة وقد يبيعون بأسعار أقل من سعر السوق.
وتحدّث سورية عن تغيّر ديموغرافي بعد أحداث 7 أيار، حيث ارتفع الطلب في منطقة خلدة وبعبدا والحازمية بنسبة 50 في المئة، وذلك بسبب «الهروب» من أماكن الصراع إلى أماكن أكثر استقراراً وأمناً، ويشير إلى أن ورش الجنوب التي تعطّلت عملية إعادة الإعمار فيها خلال الفترة الماضية عاودت عملها بعد انخفاض أسعار مواد البناء، نافياً أي انخفاض حالي في أسعار العقارات في بيروت، لأنها ارتفعت 150 في المئة خلال الفترة الأخيرة واستقرت على هذا المستوى.