انتهت التهدئة أمس. سارعت مصر إلى تبرئة ذمتها، ونأت بنفسها عن التدخل لتمديد التهدئة، فاسحة المجال أمام دول عربية أخرى للتحرك، وسط ترحيب إسرائيلي و«حمساوي» غير معلن، في ظل استنفار عسكري
رام الله ــ أحمد شاكر
أعلنت «كتائب عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، أمس، «انتهاء التهدئة»، مؤكدة أن «العدو الصهيوني لم يلتزم بشروطها، وأطلق الرصاصة الأخيرة عليها». وحذرت من أن «أي توغل إسرائيلي سيقابل برد موجع».
ومع تأكيد هذا الانتهاء، سارعت مصر إلى تبرئة ذمتها لناحية التهدئة وفتح المعابر. ودعت الطرفين إلى «عدم التصعيد»، وحملت الدولة العبرية بصفتها «سلطة احتلال» مسؤولية الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، حسام زكي، إنه «لم يطلب منا حتى الآن بذل جهود للتهدئة كما فعلنا في السابق». وفي ما يتعلق بفتح الحدود بالكامل، رأى أن «ذلك سيخدم مصالح إسرائيل بإعطائهم ذريعة لينفضوا أيديهم من مأزق القطاع الفقير»، مشيراً إلى أن مصر «تنتظر عودة الطرف الفلسطيني الشرعي ذي الصلاحية القانونية لإدارة المعبر».
وأكد بيان أصدرته الخارجية المصرية أن «القاهرة إدراكاً منها لصعوبة الوضع الإنساني في غزة، سمحت حتى الآن بمرور ما يزيد على عشرين ألف فلسطيني على مدار الأشهر العشرة الماضية لأسباب إنسانية متعددة». وأضاف إن «إسرائيل طبقاً للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الرابعة تحديداً، لا تزال ملزمة باعتبارها سلطة احتلال بتوفير عناصر الحياة الأساسية للسكان المقيمين في الأرض التي تحتلها».
إلّا أن مسؤولاً مصرياً رفض الكشف عن اسمه، قال إن «حماس قوضت جهود مصر للابقاء على التهدئة وترتيب حوار وطني فلسطيني»، مضيفاً إنه «إذا فتحت مصر الحدود، فلن تشعر حماس بأنها تحت أي ضغط لطلب المصالحة مع فتح».
لكن يبدو أن اللعبة خرجت من يد مصر، إذ علمت «الأخبار» من مصادر فلسطينية مطلعة، أن «دولاً عربية بدأت التحرك لتمديد التهدئة بين الفصائل في غزة وإسرائيل خشية تدهور الأوضاع، وعقب رفض القاهرة التواصل مع حماس للبحث في المطالب الإسرائيلية». وأضافت إن «حماس وفصائل أخرى أبدت استعدادها لتمديد التهدئة مع إسرائيل شريطة تنفيذها مطالب الفصائل وكسر الحصار عن غزة، وفتح المعابر التجارية وإمداد القطاع المحاصر باحتياجاته اليومية».
إسرائيلياً، ذكرت صحيفة «هآرتس» أمس، أن «رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ووزير الدفاع ايهود باراك، اتفقا في ختام مداولات أمنية عقداها، على أنه سيتعيّن على إسرائيل الانتظار لرؤية كيف ستتصرف حماس خلال اليومين المقبلين قبل اتخاذ قرار بشأن تصعيد الوضع الأمني». وأضافت إنهما «رفضا مطلب حماس بوضع شروط جديدة للتهدئة، أبرزها فتح المعابر الحدودية للقطاع».
ونقلت «هآرتس» عن أولمرت قوله، خلال اجتماع عقده مع رئيس لجنة الخارجية في الكونغرس الأميركي هوارد برمان، إن «الوضع في غزة لا يمكن أن يستمر هكذا وعلى العالم أن يفهم أننا لن نستمر في امتصاص الهجمات من دون رد فعل».
وقال مسؤول رفيع المستوى في مكتب أولمرت إنه «إذا لم تستدرك حماس نفسها ولم تعمل على تهدئة الوضع فإنه لن يكون هناك مفر من رد فعل عسكري».
وأفادت «هآرتس» أن «الجيش الإسرائيلي رفع حالة الاستنفار في صفوف قواته حول القطاع، وألغى جميع الإجازات في الوحدات العسكرية المتمركزة على مقربة من القطاع». وأضافت، نقلاً عن ضباط رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي تقديرهم، أنه «على عكس الوضع في الماضي، لا يوجد الآن عملية متوسطة المستوى بالإمكان شنها ضد حماس، فأي عملية إسرائيلية ستؤدي إلى مواجهة شاملة بين إسرائيل وحماس».
من جهتها، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول سياسي أمني إسرائيلي قوله إن «المواجهة العسكرية مع حماس أمر حتمي». إلّا أنه لفتت إلى أن «قيادة جهاز الأمن الإسرائيلي لا تفضل انهيار التهدئة».
وقال قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للصحيفة إنه «بإمكان حملة عسكرية في القطاع أن تجتثّ حكم حماس، لكن لا توجد أية طريقة للقضاء عليها». وأضاف إن مدير المخابرات المصرية عمر سليمان، «أبلغ رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد، الأسبوع الحالي، أن حماس أخذت تتحول إلى عدو بالنسبة إلى مصر».
ويقدر جهاز الأمن الإسرائيلي أن «بحوزة حماس صواريخ قادرة على الوصول إلى مدن كريات غات وأشدود وحتى إلى قسم من ضواحي بئر السبع». ويرى الجيش الإسرائيلي أن «حماس تريد شد الحبل، وجعل إسرائيل تعتاد إطلاق صواريخ بصورة غير منتظمة لكنها ليست مهتمة بنشوب مواجهة شاملة».
على الصعيد الميداني، أعلن الجيش الإسرائيلي أن «فلسطينيين أطلقوا صاروخين انطلاقاً من قطاع غزة على جنوب إسرائيل». وتبنت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، في بيان لها، مسؤوليتها عن «قصف التجمع الاستيطاني اشكول بثلاثة صواريخ من طراز قدس».


قلق دولي من تدهور الوضع

مع انتهاء اتفاق التهدئة في غزة، برزت بعض المواقف الدولية التي أبدت قلقها من احتمال تفاقم الوضع سلبياً. ودعت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، «حماس» إلى «إعادة النظر في موقفها من التهدئة مع إسرائيل». وجاء في البيان، «من الضروروي إعادة النظر في القرار الذي أعلنته حماس بإنهاء التهدئة»، مشيراً إلى أن «قراراً كهذا تهدّد نتائجه بسقوط ضحايا جدد والمزيد من المعاناة في صفوف المدنيين».
كما أعرب وزير الخارجية الفرنسية، برنار كوشنير، باسم الاتحاد الأوروبي، عن «قلقه الشديد» من الوضع في غزة. أما بريطانيا، فدعت على لسان رئيس وزرائها غوردون براون، «الفلسطينيين والإسرائيليين إلى ضبط النفس بعد إعلان حركة حماس إنهاء اتفاق التهدئة مع إسرائيل»، ورأى أنه «من غير المقبول كلياً استمرار إطلاق الصواريخ من الأراضي الفلسطينية باتجاه الدولة العبرية». وأضاف «ما نحتاج إليه الآن هو حقن طاقة الإرادة السياسية في الأشهر المقبلة لجعل ما يعرف الناس بأنه قابل للتحقيق يتحقق فعلاً، لذلك يتعين الابتعاد قليلاً عن مسائل المستوطنات لأنه ستكون هناك تغيرات في شأنها حال التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
وفي السياق، وجّه مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، محمد خزاعي، رسالة شديدة اللهجة إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون، ورئيس مجلس الأمن الدولي، بسبب «التقصير الأممي الفاضح في معالجة الوضع المأساوي في غزة»، قائلاً إن «المجتمع الدولي يشهد بقلق وألم الحالة المفجعة والمأساوية التي يعيشيها الشعب الفلسطيني».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)