عيد بلا بهجة... وتحميل «حماس» مسؤوليّة ارتفاع أسعار الماشيةغزة ــ قيس صفدي
لا ينوي أبو محمود التوجه اليوم بقطيعه من الخراف إلى «سوق السبت» الأسبوعية الشهيرة في مدينة رفح. يتملكه الإحباط من ثلاثة أسابيع لم يبع خلالها سوى ثلاثة خراف أضاح لعيد الأضحى.ويعمل الستيني أبو محمود في تجارة الماشية منذ كان في العشرين من عمره. وقال بينما كان مشغولاً في وضع كمية من الأعلاف للماشية، «لا أضحى في غزة هذا العام»، قاصداً بذلك عزوف الغزّاويين عن شراء الأضاحي. وأضاف «لم أشهد في حياتي موسماً أسوأ من هذا الموسم». وأوضح أن عشرات الزبائن الذين اعتادوا الشراء منه سنوياً عزفوا عن شراء الأضاحي هذا العام بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الماشية، نتيجة الحصار ومنع الاحتلال إدخال العجول إلى غزة.
واجتهد «المهربون» في الفترة الأخيرة في تهريب العجول المصرية عبر الأنفاق الممتدة أسفل الحدود مع القطاع، غير أنها صغيرة السن، ولا يصلح «شرعاً» ذبحها كأضحية في العيد، فيما شهدت أسعار الماشية من الخراف والماعز المهربة ارتفاعاً لا يتناسب مع أوضاع الغزّاويين المتدهورةوقال أبو محمود إن سعر «رأس العجل» المهرب نحو 350 دولاراً في مصر، ويتقاضى «المهرب» 250 دولاراً في مقابل تهريبه، ويحتاج إلى عامين كي يصلح للذبح كأضحية. وأضاف إن الأنفاق وفّرت آلاف «رؤوس» الماشية من الخراف والماعز، يتجاوز سعر الواحد منها 300 دولار، فيما سعره الحقيقي في مصر أقل من ثلثه في غزة.
وتنتشر بين الغزّاويين عادة اشتراك كل سبعة أشخاص أو أقل في شراء عجل والتضحية به في العيد. أبو أمجد، المدرس في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، الذي اعتاد منذ سنوات طويلة الاشتراك مع خمسة من أصدقائه في شراء عجل، بدا حزيناً وهو يقول: «للمرة الأولى منذ عشرين عاماً لن نحتفل بالعيد ولن نذبح عجلاً»، متسائلاً: «ماذا يعني عيد الأضحى بدون أضحية؟». وأضاف «اجتمعت وأصدقائي وقررنا أنه لن يكون في استطاعتنا شراء أضحية العيد هذا العام».
آلاف الغزاويين ستكون حالهم شبيهة بحال أبو أمجد وأصحابه، وسيقضون عيد الأضحى من دون أضاحٍ، ولا سيما مع فقدان النقد من مصارف القطاع. وحمّل الكثيرون منهم الحكومة التي تديرها «حماس» المسؤولية عن غياب الرقابة وترك مجموعة من التجار وأصحاب الأنفاق يتحكمون في الأسعار.
ويدرك نادر أن الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال منذ عامين سبب ارتفاع أسعار الكثير من السلع والبضائع، لكنه لا يرى مبرراً للأسعار الباهظة للماشية المهربة من مصر. وألقى نادر بالمسؤولية على حكومة «حماس» التي تركت أمر تحديد الأسعار لمجموعة من التجار وأصحاب الأنفاق المنتفعين من الحصار، مطالباً بتأليف لجان رقابة على هذه الأسعار، وتحديد هوامش معقولة من الربح، بغية توفير مقومات الصمود لسكان غزة المحاصرين.
غير أن وزير الزراعة في حكومة «حماس»، محمد الأغا، قال إنه «لا يمكن الحكومة أن تحدد أسعار الأضاحي في ظل الظروف الحالية التي يشهدها القطاع»، مبرراً ذلك بأن كل تاجر يتحمل تكاليف غير ثابتة لجلب هذه الأضاحي ولا يمكن التعامل معهم جميعاً بمعيار واحد.
وقال الأغا لن يتمكن آلاف السكان الذين اعتادوا شراء أضحية العيد من التضحية هذا العام، بسبب ارتفاع الأسعار الناجمة عن الحصار الإسرائيلي. وأضاف إن «السوق الغزاويّة بحاجة إلى آلاف رؤوس الماشية لسد العجز، لكون سلطات الاحتلال لم تدخل منذ فرض الحصار في حزيران 2007 سوى عشرة آلاف عجل وبقرة فيما يحتاج القطاع سنوياً إلى 30 ألف رأس»، لافتاً إلى أن حاجة القطاع في عيد الأضحى وحده تقدّر بنحو عشرة آلاف «رأس» عجل.
ويتندّر سكان غزة على واقعهم الصعب، مع غياب الأضاحي وفشل موسم الحج، حيث يتداول شبان غزة رسالة نصية «سوداوية» عبر هواتفهم النقالة، تقول: «غزة مسلخ كبير والعرب يضحون بسكانها، ولا عزاء للعجول»، وتقول ثانية: «العرب يتعاطفون مع حجاج غزة. يكفي الطواف حول معبر رفح توفيراً للمال».
وحالت خلافات حكومتي غزة ورام الله دون تمكن حجاج غزة من السفر هذا العام، جراء منع حكومة «حماس» نحو 3 آلاف حاج مسجلين على قوائم وزارة الأوقاف في رام الله من المغادرة، لعدم منح الحجاج المسجلين على قوائمها التأشيرات اللازمة لدخول السعودية.
وقال موسى المسجل على قائمة رام الله للحج ممازحاً صديقه ياسر المسجل على قائمة غزة: «سأذبح أضحيتي على بوابة معبر رفح لعل الله يكتب لي أجر نية الحج»، فرد عليه صديقه: «وأنا سأطوف بالمعبر». فما كان من صديقهما عدنان إلا أن طالبهما حينها بالغناء «وقفوني ع الحدود»، بدل من التهليل والتكبير.