strong> «العمل» إلى المعارضة... وحملة لإقالة باراكلم تحسم نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي معركة رئاسة الحكومة التي تدور رحاها بين رئيسة حزب «كديما» تسيبي ليفني، الأكثر تمثيلاً، ورئيس المعسكر الأكبر، بنيامين نتنياهو. الحسم بات بيد الكتل البرلمانية الأصغر، التي ستقول مَن سيرأس الحكومة المقبلة
مهدي السيد
أفرزت نتائج انتخابات الكنيست الثامن عشر واقعاً مأزوماً في المشهد السياسي الإسرائيلي، وسط عجز أيّ من الأطراف المتنافسة عن حسم نتيجة المعركة لمصلحته. وتمخّضت عن المعركة مفارقة مربكة تمثلت في كون الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، أي «كديما»، عاجزاً عن تأمين الغالبية المطلوبة لضمان حصوله على كتاب تأليف الحكومة من رئيس الدولة، إذا لم ينل تأييد الأحزاب اليمينية. والسبب ببساطة هو أنّ معسكر اليمين مجتمعاً، حصد الغالبية المطلوبة، وهو ما قد يؤهّل بنيامين نتنياهو أكثر من تسيبي ليفني لرئاسة الوزراء.
وما يزيد من حدّة هذه المفارقة بالنسبة إلى ليفني، هو حقيقة افتقارها إلى خلفية حقيقية داعمة من معسكر الوسط ــ اليسار، ولا سيما حزبا «العمل» و«ميرتس». فليفني نفسها تذكر جيداً أنها أدّت دوراً أساسياً في انهيار هذين الحزبين، ما يجعلها مُرغمة على الارتماء في حضن أحزاب اليمين، وخصوصاً في ظلّ تفضيل «العمل» البقاء في المعارضة. قرار «عمالي» يفاقم من معضلة ليفني التي تحاول جاهدة، منذ اللحظة الأولى لصدور النتائج الأولية، كسر أو اختراق الكتلة التي بدأ نتنياهو بتأليفها لمنعها من نيل الغالبية النيابية المطلوبة لترؤس حكومة مستقبلية.
وأمام هذا الواقع الجديد، سارع كل من المتنافسين إلى عقد سلسلة اتصالات ولقاءات مع أحزاب اليمين. واتصلت ليفني برئيس حزب «ميرتس» حاييم أورون، والتقت برئيس «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، في محاولة لإقناعه بالانضمام إلى حكومة برئاستها، ولثنيه عن الانضمام إلى حكومة محتملة برئاسة نتنياهو.
ونُقل عن ليفني قولها لليبرمان: «هذه ساعة الإرادة، إنها فرصة للاتحاد يمكنها أن تدفع قدماً مواضيع مهمة لك أيضاً»، في إشارة إلى مطالب ليبرمان بتغيير نظام الحكم وإقرار قانون الزواج المدني.
قال ليبرمان، خلال ترؤسه اجتماعاً لكتلته: «سنعمل لتأليف حكومة بسرعة»، مشيراً إلى أنه التقى مع ليفني وينوي الاجتماع بنتنياهو أيضاً. ولفت إلى أنّ حزبه «سيستوضح المواقف وسيُسهم في تأليف حكومة بأسرع وقت ممكن»، مبرراً استعجاله بكون «الدولة مشلولة منذ نحو نصف سنة، والدولة التي تعيش أجواء انتخابات لا يمكنها معالجة الوضعين الأمني والاقتصادي». كذلك أعلن أنه لا يرفض الجلوس في حكومة واحدة مع «شاس»، الأمر الذي أشار إليه أيضاً رئيس حزب «شاس»، إيلي يشاي، بعد لقائه نتنياهو.
كذلك عقدت ليفني اجتماعاً ضم كبار مسؤولي حزبها، في مقدمتهم شاؤول موفاز وحاييم رامون وداليا إيتسيك وتساحي هنغبي وروني بار أون، لإجراء مشاورات بشأن المفاوضات الائتلافية. وللغاية نفسها، عيّنت ليفني كلاً من إيتسيك وهنغبي ورامون، مسؤولين عن المفاوضات من «كديما».
وكانت ليفني قد بدأت منذ فجر أمس بدراسة الخيارات المتاحة أمامها، من ضمنها التناوب على الحكومة مع «الليكود»، بناءً على اقتراح عدد من كبار قادة حزبها، في ظل إدراكها صعوبة إقناع حزب «العمل» الانضمام إلى حكومة تضم ليبرمان، فضلاً عن ترجيح انتقال «العمل» إلى المعارضة لترميم نفسه تنظيمياً وشعبياً.
وفي سياق محاولات ليفني، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين في «كديما» تأكيدهم أنّ رئيستهم تجري اتصالات حثيثة مع الحزب اليميني الديني «يهدوت هتوراه» لضمه إلى الحكومة.
وفي موازاة مساعي ليفني، كان نتنياهو يسعى جاهداً لتأمين كتلة يمينية مانعة في وجه منافسته، وتسمح له بتأليف الحكومة. وبعد اجتماعه بيشاي، رفض نتنياهو الإجابة عن أسئلة الصحافيين، بينما جزم يشاي بأنه لم يتحدث مع ضيفه عن الحقائب والميزانيات، بل «تبادلنا الآراء، وحلّلنا نتائج الانتخابات وبحثنا في إمكان تأليف الائتلاف». وتابع: «من الواضح أن نتنياهو يريد حكومة واسعة على أساس المعسكر القومي، وأنا آمل تحقق ذلك».
في هذه الأثناء، وفي ضوء تراجع قوة حزب «العمل»، ذكرت تقارير إعلامية أن رئيسه، إيهود باراك، قرّر عدم الانضمام إلى أي ائتلاف حكومي، والبقاء في المعارضة بهدف إعادة بناء قوة الحزب من موقع المعارضة. وأفادت التقارير بأن قرار باراك جاء في أعقاب ضغوط مارسها عليه عدد من قادة الحزب.
وذكر الموقع الإلكتروني لـ «يديعوت أحرونوت»، أن قياديين في «العمل» باشروا حملة تطالب باراك بالتنحي عن رئاسة الحزب، وانتخاب خليفة له في أعقاب التراجع التاريخي لقوة الحزب. ونقلت الصحيفة عن مصادر في «العمل» قولها إنّ المرشحين المحتملين لخلافة باراك، هم الوزير يتسحاق هرتسوغ، والنواب عامير بيرتس وأفيشاي برافرمان وأوفير بينيس. وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ هرتسوغ أطلق «حملة هادئة» لترؤس الحزب، بعدما اتضح مدى تراجع قوته في استطلاعات الرأي التي تنظَّم منذ شهور. وعقد هرتسوغ عشرات اللقاءات مع نشطاء ميدانيين في حزبه لإقناعهم بتأييد وصوله إلى هذا المنصب.
وفي خلفية المشهد السياسي المأزوم، يجري التداول بعدد من السيناريوات المحتملة كالآتي:
1 ــ حكومة تناوب «الليكود ــ كديما»، تقودها ليفني في السنتين الأوليين، وبعد ذلك يحلّ محلّها نتنياهو. يُذكَر أنّ حكومة مماثلة تألّفت فعلاً في دولة الاحتلال مرة واحدة في ما عُرف بحكومة «(شمعون) بيريز ــ (إسحق) شامير» بين عامي 1984 و1988.
2 ـــ حكومة وحدة وطنية بين «كديما ــ الليكود»، يمكن أن ينضم إليها «شاس»، و«إسرائيل بيتنا» و«العمل». حكومة كهذه تبدو مستقرة، لكنها تحظى أيضاً بلقب «حكومة جمود سياسي».
3 ــ حكومة يمين برئاسة نتنياهو، تضمّ أحزاب اليمين، وتُبقي «كديما» و«العمل» في المعارضة.
4 ــ حكومة مصغّرة برئاسة ليفني، تضمّ إلى «كديما»، «العمل» و«إسرائيل بيتنا» و«يهدوت هتوراه».
5 ــ حكومة وحدة وطنية برئاسة نتنياهو، تضم «كديما»، و«العمل» و«شاس».