محمد بديربيد أن المشكلة بالنسبة إلى إسرائيل هي أن المبادرة طُرحت على طريقة «الرزمة الكاملة، خذها أو دعها»، وهو ما جعلها تغيب في إحدى الزوايا المعتمة وسط الأحداث الساخنة التي كانت تشهدها الساحة الفلسطينية آنذاك. بيد أن الخشية الإسرائيلية من تفاعل المبادرة على المستوى الدولي، ولو في المستقبل، دفعت شارون إلى العمل على إبعادها كلياً من دائرة التداول. وقد تجسد ذلك بالتحفظات الإسرائيلية الأربعة عشر على «خريطة الطريق» الأميركية في أيار 2003. في البند العاشر من هذه التحفظات طلبت إسرائيل أن يُشطب أي تطرق إلى مبادرة السلام السعودية الأصلية، أو المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت، في إطار الحديث عن مرجعيات السلام المفترض بينها وبين العرب.
مع الوقت، لم تحتج إسرائيل إلى بذل أي جهد إضافي لتطويق المبادرة، التي أخلت مكانها من ساحة التداول الإعلامي. استمرت الحال كذلك إلى أن أعاد العرب إحياءها في قمة الرياض 2007. آنذاك، كانت إسرائيل قد خرجت للتو من حرب فاشلة في لبنان، وكان فيها رئيس وزراء يسعى إلى فتح اعتماد سياسي جديد لدى الرأي العام الداخلي يعوّض به عن إخفاقه في الحرب ويمنحه مبرراً لبقائه في سدة الحكم.
وبما أن العملة الرائجة في إسرائيل لاعتمادات من هذا النوع تراوح بين الوعد بتحقيق الأمن والوعد بتحقيق السلام، وبعدما كان إيهود أولمرت قد أدين في تقرير فينوغراد المرحلي بالفشل في الوعد الأول، بقي له أن يراهن على الثاني، وهو ما تجسد في مؤتمر أنابوليس في 27 تشرين الثاني من العام نفسه. في كلمته أمام المؤتمر الذي حضره العرب أجمعون، بمن فيهم السعودية ممثلةً بوزير خارجيتها. تطرق أولمرت للمبادرة العربية مستفيداً من الأسلوب الإسرائيلي النموذجي المشار إليه أعلاه. قال «أقدر هذه المبادرة والمساهمة التي تمثلها، ولا شك لدي أننا سنعود إلى التعامل معها خلال المفاوضات بيننا وبين القيادة الفلسطينية». وأضاف «لا شك لدي أن العالم العربي هو عامل أساسي في بلورة واقع جديد في الشرق الأوسط». إلا أن تقدير أولمرت للمبادرة خلا من أي مبادرة تسهم في دفعها قدماً.
ومع التسلّم المرتقب لبنيامين نتنياهو لمقاليد الحكم في إسرائيل، ليس من الصعب تحديد موقفه مسبّقاً من المبادرة، وهو الذي يرفض قيام دولة فلسطينية ولن يسمح «بتحويل الجولان إلى معقل إيراني كما حدث في غزة والضفة الغربية». بيد أنه رغم ذلك، يبقى في إسرائيل من يتقن فن التحاذق في السياسة مع العرب. فشمعون بيريز، عجوز السياسة الإسرائيلية وثعلبها، يصر على إبقاء المبادرة التي يرى فيها «انعطافة تاريخية لموقف العالم العربي» فوق الماء. فعل ذلك في خطابه أمام مؤتمر الأديان في الأمم المتحدة في أيلول العام الماضي، وكرره في كل مناسبة ممكنة قبل أن تدخل إسرائيل في دوامة الانتخابات. وفي سياق تأكيده على أن المبادرة تصلح أساسا للتفاوض، لا يشذّ بيريز عن النموذجية الإسرائيلية المجسّدة في مقولة «نعم ولكن».