محمد بديرأدى الخلاف المتواصل بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والإدارة الأميركية على مسألة البناء في المستوطنات، إلى إلغاء اللقاء الذي كان يزمع عقده في باريس اليوم بين أولمرت والمبعوث الأميركي جورج ميتشيل. وعلى الرغم من الدلالات السياسية المهمة لحقيقة إلغاء اللقاء، بدا أن ما يشغل بال نتنياهو وفريقه هو تأكيد أن مصدر الإلغاء إسرائيلي وأميركي، أكثر من الانهماك بأصل إلغاء اللقاء، على اعتبار أن من شأن توضيح هذه المسألة التخفيف من وطأة الإلغاء وتداعياتها.
وعلى هذا الأساس، وتعقيباً على تقارير إعلامية إسرائيلية أشارت إلى أن الإدارة الأميركية هي من ألغت اللقاء، صدرت مواقف وتصريحات عن مسؤولين في فريق نتنياهو تؤكد أن الجانب الإسرائيلي هو من ألغى اللقاء، إفساحاً في المجال أمام إعداد أفضل لجدول أعمال البحث، وفي انتظار النتائج التي ستتمخض عن زيارة وزير الدفاع إيهود باراك إلى واشنطن يوم الاثنين المقبل، التي حُددت على عجل وفجأةً، لجسر الخلاف من خلال طرح صيغة توفيقية في موضوع وقف الاستيطان تقوم على مبدأ «التجميد المؤقت».
ومنعاً لأي التباس في تحديد الجهة صاحبة القرار في إلغاء اللقاء، نقل موقع «يديعوت أحرونوت» الإخباري عن مسؤول في حاشية نتنياهو قوله إن «إسرائيل هي من ألغت اللقاء مع ميتشل بسبب الحاجة إلى جمع معطيات وعرضها أمامه بصورة منظمة». وأكد أنه «لا أساس للادعاء أن الأميركيين هم من ألغوا اللقاء بسبب الخلاف».
وبحسب المسؤول الإسرائيلي، فقد تقرر إلغاء اللقاء يوم الاثنين الماضي، لكن لأسباب شخصية تخص ميتشل أُعلن القرار أمس.
في المقابل، برّر الناطق باسم الخارجية الأميركية، إيان كيلي، إرجاء اللقاء بالقول: «هذا حصل لأننا أردنا منح المبعوث الخاص ميتشل فرصة اللقاء مع باراك. اللقاء سيحصل يوم الاثنين، ونأمل خلاله التقدم في جملة مواضيع». بيد أن «رويترز» نقلت عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله: «قرر ميتشل ورئيس الحكومة (نتنياهو) معاً تأجيل اجتماعهما».
ونقلت «يديعوت» عن مصدر سياسي رفيع المستوى قوله إن البيت الأبيض ينقل إلى نتنياهو إشارة حادة بموجبها «عندما تكمل فروضك المنزلية التي فرضت عليك في موضوع وقف البناء في المستوطنات، أبلغنا. حتى ذلك الوقت لا معنى لأن يطير ميتشيل إلى باريس للقائك».
على هذا الأساس، تقرر إرسال باراك في مهمة عاجلة تستغرق 24 ساعة الاثنين المقبل لعقد لقاءات مع مسؤولين أميركيين، بمن فيهم ميتشيل. وبحسب صحيفة «هآرتس»، يحمل باراك معه صيغة توفيقية لبلورة تفاهمات جديدة مع ميتشيل في موضوع البناء في مستوطنات الضفة الغربية، تقوم على أساس موافقة إسرائيل على «تجميد مؤقت» للبناء في المستوطنات، على أن تُستثنى من التجميد المشاريع التي هي قيد البناء والتنفيذ، وعلى أن يكون ذلك مرهوناً أيضاً بموافقة أميركية على مواصلة البناء في الكتل الاستيطانية لاحتياجات النمو الطبيعي فقط، لكن بعد انتهاء فترة التجميد.
وفي باريس (بسام الطيارة)، التقى نتنياهو مع الرئيس نيكولا ساركوزي. وصدر بيان عقب اللقاء شدد فيه الجانب الفرنسي بقوة على أن فرنسا «لن تتساهل البتة في مسألة أمن إسرائيل» وأن هذا «الالتزام في لبّ علاقات الصداقة والثقة» بين الدولتين. واستطرد البيان في الفقرة نفسها مضيفاً: «وفي هذا الإطار، أكد رئيس الجمهورية بوضوح أن من غير المقبول أن تكون إيران فيه قوة نووية». وتابع البيان قائلاً إن ساركوزي ذكر أن قيام دولة فلسطينية «حديثة وقابلة للحياة وهادئة ومسالمة» تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل هي من أفضل الضمانات لأمن إسرائيل على المدى البعيد.
ومدح البيان في هذا السياق خطاب نتنياهو الأخير ووصفه بأنه «خطوة كبيرة في اتجاه الحل الوحيد» أي دولتين، مشدداً على ضرورة «ألا تهدد الدولة الفلسطينية المرتقبة سلامة إسرائيل». وبعدما ذكر أن فرنسا وشركاءها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، مستعدة للإسهام في قوات دولية، ولتقديم ضمانات أمنية «مثلما ذكر نتنياهو في خطابه»، شجع البيان على العودة السريعة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة. وأخيراً ذكر البيان ضرورة وقف الاستيطان لإيجاد حوافز تشجيع الثقة، مطالباً بـ«تحسين تنقلات المدنيين الفلسطينيين»، مشيراً إلى أن سوريا ولبنان يمكنهما أداء دور إيجابي في عملية السلام في المنطقة.
وفي السياق، رأى نتنياهو أنّ فكرته حول دولة فلسطينية منزوعة السلاح، «تكسب المزيد من الدعم الدولي والأرضية الدولية لأنها الحل الوحيد في الشرق الأوسط». وبعد لقائه مع ساركوزي، قال «بيبي» إنّ «فكرة الدولة المنزوعة السلاح ستصبح بالتأكيد مقبولة». وتابع «إن لم يتم القبول بها، فلن يكون هناك اتفاق ولا دولة والصراع سيستمرّ».