لندن تتسلّم جثّتين لرهينتين بريطانيّين وتترقّب مصير الثلاثة الآخرينأعادت صور الفضائيات العربية والدولية، المشاهد إلى أجواء «عام الموت» في العراق، أي 2006، إذ قَتل انتحاريّ أول من أمس 73 عراقياً وجرح 250 آخرين في كركوك، وذلك على وقع إعلان نوري المالكي وحكومته «الانتصار». تطوّر لم يضاهه سوى تسلّم حكومة لندن جثتين لبريطانيين اختُطفا في بغداد في 2007 مع 3 آخرينقبل أقل من 10 أيام على حلول موعد الثلاثين من حزيران، الذي كان من المفترض أن يشهد اكتمال الانسحاب الأميركي من مدن العراق، وبينها كركوك، استهدف هذه المدينة أول من أمس تفجير انتحاري هو الأكثر دموية منذ أكثر من عام ونصف، أودى بحياة 73 عراقياً وجرح نحو 250 آخرين.
تفجير ذو طابع طائفي موجّه ضدّ مواطنين شيعة كانوا يغادرون مسجدهم حين استُهدفوا، ومن شأنه أن يحسم عدم انسحاب قوات الاحتلال من المدينة الشمالية المتفجّرة أصلاً. غير أنّ حكام بغداد لا يزالون مصرّين على عيش احتفالية خاصة بهم، قلّما تتأثّر وتيرتها بالتفجيرات الكبرى. تفجيرات بدا أنها باتت ترتبط مباشرة بتصريحات مسؤولي حكومة نوري المالكي.
فقبيل ساعات من وقوع التفجير الانتحاري الذي استهدف ناحية تازة جنوب مدينة كركوك عبر شاحنة مفخخة يقودها انتحاري، كان المالكي مشغولاً بإعلان «الانتصار ببدء إنهاء الوجود الأجنبي». وكأنّه يحاول تهيئة الأجواء للكارثة الكبرى، عندما طالب العراقيين بـ«عدم فقدان الأمل إذا ما أدى الانسحاب إلى حدوث هجمات».
وقال المالكي، أمام مؤتمر لقادة تركمان، إنه «انتصار عظيم للعراقيين أن يتخذوا الخطوة الأولى نحو إنهاء الوجود الأجنبي في العراق». وأوضح أنّ «الإرهابيين لا يريدون النجاح والاحتفال بهذا الانتصار، ويعدّون أنفسهم للتحرك في الظلام لزعزعة استقرار الموقف»، قبل أن يطمئن إلى أنّ «العراق سيكون لهم بالمرصاد».
تطمين لم يكن بمكانه أبداً، لا هو، ولا ذلك الصادر عن المتحدّث باسم وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف، الذي رأى أنّ تنظيم «القاعدة» في العراق «بدأ يفقد قوته ويستعين بمقاتلين لتنفيذ أهدافه في مقابل المال». وأوضح أن قواته تمكنت الشهر الماضي من القبض على مجموعة مسلحة في بغداد، مؤلفة من ستة أشخاص، «ثلاثة منهم من الشيعة»، اعترفوا أثناء التحقيق، بالانتماء إلى «القاعدة» وأنهم «نفذوا عملياتهم مقابل المال، لا بسبب الإيمان بفكر القاعدة». ووصف عملية الاعتقال، بأنها «مهمة جداً، وهي تظهر أن القاعدة بدأ يفقد بريقه».
ميدانياً أيضاً، اعترفت مصادر أمنية بمقتل 10 من عناصر الشرطة ومدني في هجمات منفصلة نفذها مسلّحون مجهولون في بغداد والموصل خلال الساعات الماضية.
في هذا الوقت، طرأ تطور قد يؤثّر على ملفات تتخطّى الداخل العراقي لتطال علاقة بريطانيا مع قوى إقليمية. فقد تسلّمت السلطات البريطانية في العراق جثتين من أصل 5، تعودان إلى رهائن بريطانيين خُطفوا في أيار 2007 في بغداد. وكان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند قد كشف أول من أمس، عن أن الحكومة العراقية سلمت إلى سلطات بلاده جثتين «ربما تكونان لاثنين من الرهائن البريطانيين الخمسة».
ويوم أمس، أعلن مكتب ميليباند أنّ التحليلات أثبتت أنّ الجثتين تعودان بالفعل إلى كل من جايسن سويندلهورست، وجايسن كريسول، وهما مرافقا الخبير في مجال تقنية المعلومات البريطاني، بيتر مور، ورفيقاه اللذان سبق أن اختطفتهما مجموعة شيعية تتبع لـ«جيش المهدي» في بغداد. حتى إنّ تقارير إعلامية عديدة صدرت أخيراً، ولم تكذّبها لندن، أشارت إلى أنّ قرار بريطانيا الانفتاح على «الجناح السياسي» لحزب الله، يعود إلى رغبة السلطات البريطانية بمساعدة الحزب اللبناني في مفاوضة الصدريين للإفراج عن مور ورفاقه.
وعلى صعيد بريطاني ـــــ عراقي أيضاً، كشفت صحيفة «الأوبزرفر»، أمس، أن رئيس الوزراء السابق طوني بلير، حثّ خلفه غوردون براون على جعل التحقيق المستقل الذي أمر الأخير بفتحه بشأن حرب العراق «سرياً، بسبب خشيته من التعرّض للإحراج إذا كان التحقيق علنياً عند تقديم إفادته».
وقالت الصحيفة إن الكشف عن تدخل بلير الذي قاد بريطانيا للمشاركة في غزو العراق عام 2003، «سيثير غضب النواب وأعضاء مجلس اللوردات والقادة العسكريين والمسؤولين الحكوميين السابقين الذين أغضبهم قرار براون الأسبوع الماضي بإجراء جلسات التحقيق خلف أبواب موصدة».
ولفتت الصحيفة إلى أنّ بلير استاء من احتمال استدعائه للإدلاء بشهادته علناً وتحت القسم أمام لجنة التحقيق حول المعلومات الاستخبارية التي تم استخدامها لتبرير إشراك بريطانيا في غزو العراق، والنقاشات الخاصة العديدة التي أجراها مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش حول حرب العراق.
غير أنّ مكتب رئاسة الحكومة البريطانية نفى أن يكون بلير قد مارس ضغوطاً على براون لجعل تحقيق حرب العراق سرياً، فيما شدّد متحدث باسم بلير على أن فتح تحقيق حول العراق «كان قراراً اتخذه رئيس الوزراء الحالي، لا السابق».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)