الدول الصناعية والنفطية تحمي إنتاجها... ولبنان يُمعن في التحريررشا أبو زكي
تواجه الصناعات الغذائية في العالم العربي، وفي لبنان كذلك، معوّقات عدة تعترض ولوجها الأسواق العالمية، وترتفع حدة المشكلات هذه مع تطور التجارة العالمية، لا بل مع فرض الدول الكبرى شروطاً جديدة للنفاذ إلى أسواقها، ووصولها إلى مرحلة إعلانها الحماية لبعض صناعاتها في مقابل حرمان الدول النامية من هذا الحق! ومع مقاربة المسؤولين والصناعيين العرب، وبينهم اللبنانيون، مسألة التجارة من زاوية مطالبتهم الدول الكبرى بفتح حدودها أمام صادراتهم، وإعلانهم المتكرر أنهم في طور تحسين جودة منتجاتهم، تبقى المعالجات المطروحة لانخفاض حجم الصادرات العربية البينية، وكذلك الخارجية «خارج الموضوع». فقد أوضح مؤتمر «الجودة والامتياز وسلامة الغذاء من أجل تنافسية الصادرات» الذي نظمه أمس الاتحاد العام لغرف التجارة للبلاد العربية وبرنامج الجودة في وزارة الاقتصاد ومنظمة «اليونيدو» وجمعية الصناعيين، حقيقة أزمة تراجع حجم الصادرات اللبنانية. فمن جهة استرسل الخبراء والصناعيون في الحديث عن مدى «الخروق» التي تحدثها الدول الصناعية الكبرى لمبدأ التجارة الحرة، وتطرق بعضهم الآخر إلى اتّباع عدد من الدول العربية مبدأ الحماية نفسه، فكانت النتيجة أن لبنان وصناعته الغذائية ليسا فقط في مواجهة دول عربية تدعم إنتاجها وتنافسه حتى على أرضه، لا بل أصبحت تحدياته تشمل دول العالم قاطبة... فهو يحرر، والدول الأخرى تحمي، وتنتهي المعادلة بأن يترسخ لبنان بلداً متلقياً ـــــ مستهلكاً، لا منتجاً ـــــ مصدراً!
وقد تناول عدد من الخبراء والمعنيين بقطاع الصناعة عموماً، والصناعات الغذائية خصوصاً، المشكلات التي تعترض هذا القطاع للتوسع الخارجي، يمكن اختصارها بـ:
ازدياد القيود التجارية العالمية، والمنافسة الحادة في الأسواق، وضعف الصناعات الغذائية من حيث التمايز والجودة... فلفت وزير الاقتصاد محمد الصفدي إلى أن ارتفاع مستوى التدابير الصحية والصحة النباتية لدى الدول المتقدمة يؤدي في بعض الأحيان إلى تقييد التجارة، ويعوق زيادة الصادرات الغذائية العربية إلى الأسواق العالمية ويحدّ من اختراق أسواق جديدة، ما يستوجب سن قوانين عصرية وشاملة لسلامة الغذاء، لافتاً إلى أن جودة الغذاء لها ارتباط مباشر برفع مستوى تنافسية الصادرات.
«حزيران 2009 أصبح نقطة تاريخية في عالم التجارة العالمية»، هذا ما قاله رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود. أما الحدث المرتبط بهذا التاريخ، فهو الشكوى المقدمة من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ضد الصين لدى منظمة التجارة العالمية، وهي تقوم على فرض الصين ضريبة تصدير على المواد الخام، ما يعطي أفضلية تنافسية للصناعة الصينية عبر رفع كلفة إنتاج الصناعات في الدول الأخرى، مشيراً إلى أن دعم أكلاف الطاقة الذي تقوم به بعض الدول العربية، هو إجراء لا يختلف عمّا تمارسه الصين، لافتاً إلى أن لبنان تحديداً يعاني الكثير من الإجراءات الحمائية التي تمارسها الدول العربية بما هو مخالف للأسس التي بُنيت عليها منطقة التجارة الحرة العربية. ويدخل عبود إلى لبّ القضية، موضحاً أن العديد من الدول الكبرى تبحث عن سبل لحماية صناعاتها المحلية في الأشهر القليلة الماضية، ما يعني تبدلاً حاصلاً في سياسات التجارة الدولية، وتتضمن زيادة في الرسوم الجمركية، إنقاذ صناعات محددة، واستنباط مشاريع تفرض أن تكون المواد المستعملة في مشاريع الأشغال العامة هي صناعة محلية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وأوستراليا، وفرنسا وكوريا الجنوبية وغيرها...
أما الحلول المقترحة لتحسين وضع الصادرات العربية واللبنانية، فسبحت في الإطار النظري، إذ رأى رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية عدنان القصار أنها ترتكز على وجود مؤسسات وطنية في كل بلد عربي، مختصة بمتطلبات الجودة والاعتماد لضمان الاعتراف العربي والدولي بالشهادات الصادرة عنها. والاهتمام بإدخال البرامج التعليمية المتخصصة بالجودة والامتياز في مؤسسات التعليم العالية. فيما ركز الممثل الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو» خالد المقود على ضرورة تطبيق نظم سلامة الأغذية في قطاعي الألبان واللحوم، وتعزيز التشريعات القانونية لسلامة الغذاء في لبنان وتطويرها للمواءمة مع المواصفات الدولية، وبالتالي تحسين القدرة على النفاذ إلى الأسواق العالمية، وتطوير نظم الرقابة والتفتيش لمؤسسات الدولة المعنية.
أما الصفدي فشدد على أهمية استكمال وتطوير البنية التحتية للجودة في مجالات المقاييس والمواصفات والاعتماد والمترولوجيا ومراقبة الأسواق وبناء القدرات الوطنية. فيما دعا عبود إلى خلق تكتّل عربي اقتصادي ليكون شريكاً حقيقياً في صياغة النظام الاقتصادي العالمي الجديد. وأشار رئيس نقابة مصنعي المنتجات الغذائية، جورج نصراوي، إلى ضرورة الاهتمام بالاعتبارات المتعلقة بالمستهلك وتأثيرها على سياسة سلامة الغذاء.


1.7 في المئة

هي حصة الصادرات العربية غير النفطية من إجمالي التجارة العالمية، لترتفع إلى 5,7% مع إضافة الوقود المعدني إليها لتمثّل 85% من التجارة السلعية العربية

10 في المئة

هي نسبة التجارة البينية العربية، وهي لا تتطور، لا بل تراوح بين 8 و10 في المئة منذ أن استكملت رسمياً منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في عام 2005