لا يزال ينظر إلى الحدود بين الدول الأفريقية على أنها خطوط وهمية رسمها الاستعمار، تختلف عن الحدود الحقيقية، «حدود القبائل» التي تحاول أن تستعيد ما سلخه منها المحتل
حبيب الياس
خلال فترة الاستعمار الأجنبي لأفريقيا، رسمت الدول المستعمرة خطوطاً على الورق في المناطق التي احتلتها من القارة السمراء، وفقاً لمصالحها، من دون اعتبار للتجمعات السكانية، الأمر الذي خلق مشكلات حدودية لا تزال تعاني منها القارة إلى الآن، ومنها المشكلة الأثيوبية ـــــ الصومالية. وتعود أسباب الخلاف على منطقة حدودية وهي مقاطعة أوغادين، التي اقتطعها البريطانيون خلال استعمارهم وربطوها بإثيوبيا في وقت كان فيه الصومال تحت الحكم الإيطالي. ومنذ تلك الفترة وإقليم أوغادين يمثل بؤرة للتوتر وسبباً للصراع بين الصومال وإثيوبيا مهما كان النظام السياسي الحاكم في الدولتين، فكانت عدة حروب بين الدولتين، أهمها حرب بين عامي 1964 و1967، ثم حرب ثانية عامي 1977 و1978.
ومع سقوط حكم محمد سياد بري 1991، وتفتّت الصومال إلى دول عدة، كانت إثيوبيا من أكثر المستفيدين حيث لم يعد أمامها خصم يمتلك جيشاً منظّماً يطالب بحقوقه التاريخية. ووقت وُجد هذا العدو، المتمثل بالمحاكم الإسلامية التي سيطرت على البلاد عام 2006، توفرت الظروف الإقليمية والدولية لإثيوبيا للدخول إلى الصومال على خلفية دعم الحكومة الانتقالية أمام المحاكم الإسلامية التي كانت تعتبرها الدول الغربية داعمة لتنظيم «القاعدة» فكان الغطاء دولياً.
وتمكنت إثيوبيا من إلحاق الهزيمة بالمحاكم في مطلع 2007، التي سيطرت لبضعة أشهر على معظم مناطق وسط البلاد وجنوبها. لكن أديس أبابا أعربت في كانون الثاني الماضي عن القلق وقررت الانسحاب من المستنقع العسكري، بعدما تحولت مقديشو وعدد متزايد من المناطق الصومالية إلى مسرح حرب عصابات عنيفة تستهدف بالخصوص القوات الصومالية والإثيوبية وتقودها حركة «الشباب» الإسلامية المتطرفة.
تجدر الإشارة إلى أن الصراع التاريخي امتزج بأسباب اقتصادية، أهمها اكتشاف النفط بكميات كبيرة في أوغادين، الأمر الذي تحاول إثيوبيا إبعاد الصومال عنه، فكان دخولها لحماية حدودها من المتمردين الصوماليين؛ ففي حال تمكّن الإسلاميين من السيطرة على البلاد فإنهم سيسعون إلى السيطرة على المقاطعة التي يعتبرونها جزءاً من بلادهم.
أما مع كينيا فإن المشكلة تختلف، فمنذ أن شهدت تفجير السفارة الأميركية في نيروبي عام 1998، وتفجير فندق مومباسا الإسرائيلي وظهور المحاكم الإسلامية في الصومال في وقت لاحق من عام 2006، بدأت نيروبي تحتفظ بوجودها العسكري الكبير في المناطق المتاخمة للصومال بسبب مخاوف وهواجس من تدفق أشخاص وأسلحة عبر حدودها، واضعة في الاعتبار هجمات سابقة شهدتها المنطقة تمّ التخطيط لها من الصومال حسب تقارير كينية رسمية.
وبعدما وجدت الحكومة الكينية أن حركة شباب المجاهدين بدأوا يستجمعون قواهم، عرضت على الحكومة الانتقالية تدريب 10 آلاف من القوات الحكومية؛ فالحكومة الكينية تشعر بالقلق والخوف إزاء تغلغل حركة الشباب بشقّيها الفكري والعسكري في كينيا وقد جاء هذا على لسان رئيس الوزراء الكيني «راليا أودينغا» في آب عام 2008، حين قال: «الصومال تهدد أمن كينيا داخلياً وخارجياً»، وإن «صراع بلاده مع الإرهابيين سيستمر ما دامت الصومال دولة بلا قانون»، وأكد أن «كينيا باتت على وشك الانفجار من كثرة اللاجئين المتدفقين إليها في السنوات الثلاث الأخيرة حتى قارب عددهم ثلاثة ملايين لاجئ». وأضاف «إنهم يصدرون إلينا الأفكار المتطرفة».
وعلى الصعيد الكيني الداخلي، يرى العديد من المسلمين في كينيا، ولا سيما الصوماليين، أن «الحركة ظلت أكثر قدرة وتأثيراً من أي زمن مضى في نشر أفكارها في أوساط الشباب، وخاصة بعدما سيطرت الحركة على البلدات الواقعة على طول الحدود».
في المقابل، تبقى المعارضة الصومالية تحظى بدعم أريتريا التي تحاول أن تنقل صراعاتها مع الجانب الإثيوبي إلى الداخل الصومالي من خلال دعمها للمعارضة الإسلامية، ما سيشكل ضغطاً على أديس أبابا؛ فهي التي استضافت «حركة الشباب» عقب طردها من الصومال عام 2007، وكذلك مؤتمر المعارضة الصومالية الذي أفضى إلى قيام تحالف بين المحاكم الإسلامية والمعارضة العلمانية والذي أدى إلى انسحاب إثيوبيا من الصومال.
ومشكلة أسمرة تكمن مع الجانب الإثيوبي، فمنذ إعلان وقف إطلاق النار لم تستطع الوساطة الأفريقية والدولية ولا حكم اللجنة الحدودية المستقلة أن يضعا حداً لنزاع الدولتين الحدودي، الذي أدى إلى حروب دامية بين الطرفين. ولذلك يكمن التوجه الأريتري في دعم كل ما يساهم في زعزعة أمن أديس أبابا، وبالتالي يريحها من الضغط الإثيوبي.