تساؤلات عن دور الجلبي والأميركيّين في تأليفه... وخيوط أوّلية للخريطة الانتخابيّةبغداد ــ زيد الزبيدي
يرى الكثير من المراقبين العراقيين أنّ فكرة «البيت الشيعي» ليست من بنات أفكار أي طرف في «المؤسسة الشيعية» المهيمنة حالياً على السياسة العراقية، بمن فيها المرجعيات الدينية. فمن المعروف أن هذه الفكرة انطلقت أميركياً من خلال «عرّاب الاحتلال»، رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» أحمد الجلبي، وميليشياته التي تدربت خارج العراق قبل الغزو، ودخلته مع القوات المحتلة. وتقابل ميليشيات الجلبي، «منظمة بدر»، الجناح العسكري لـ«المجلس الأعلى الإسلامي» التي تأسست هي الأخرى خارج العراق، في إيران تحديداً، ودخلت العراق مع الغزو أيضاً.
إلا أنّ تنظيم الجلبي، وهو سياسي واقتصادي علماني «على الطريقة الأميركية»، كان يُعَدّ الحاوية لمعظم التشكيلات المعارضة للنظام السابق، وحلقة الوصل المباشرة بينها وبين الطرف الأميركي، وخصوصاً من ناحية التمويل.
وبعد الاحتلال بفترة وجيزة، أطلق الجلبي مبادرة تأسيس «البيت الشيعي»، ما أثار استغراب الكثيرين إزاء تحوّل الرجل العلماني إلى رائد للاستقطاب المذهبي، مع استمرار مجاهرته بعلمانيته، واستمراره بـ«اللعب على كل الحبال»، وخصوصاً في فترة الحرب الطائفية التي أظهر نفسه بمنأى عنها، ليبقى ممسكاً بكل خيوط اللعبة.
ولعلّ أوّل ما يثير الانتباه في تأليف «الائتلاف الشيعي الجديد»، الذي ألصقت به أول من أمس صفة «الوطني» بحجة أنه يضم أطرافاً عربية سنّية إلى جانب التنظيمات الشيعية، هو أنه لا يضم سوى عدد من مكونات الائتلاف السابق، الذي غادرته العديد من الشخصيات وشيوخ العشائر «السنيّة»، التي لم تنل أي نصيب في المحاصصة السياسية. لكن هذه المرة، جرت عملية التفاف وتمويه، بإعلان انضمام «الصحوات» إليه، بينما الواقع هو انضمام فرع الأنبار إلى تنظيم «المؤتمر الوطني»، الذي يحمل اسم «مجلس إنقاذ الأنبار»، الذي مُني أخيراً بالفشل في انتخابات مجلس المحافظة. غاية الكلام أنّ الائتلاف الجديد، هو «شيعي بامتياز»، ولم يضمّ أي طرف آخر، لا من السنّة، ولا من الأكراد، ولا من الطوائف الدينية الأخرى.
وفي نظرة إلى الهيكلية الجديدة للائتلاف، يبدو واضحاً أنه يضم «المجلس الأعلى» والتيار الصدري، رغم العداء الصريح بين الطرفين، ويضم كذلك «منظمة بدر»، و«كتلة التضامن المستقلة»، و«تيار الإصلاح الوطني» المنشق عن حزب «الدعوة»، و«المؤتمر الوطني العراقي»، ومجلس إنقاذ الأنبار التابع له برئاسة حميد الهايس، وهو الذي تبرأ منه مجلس عشائر الأنبار، ورئيس جماعة علماء العراق ـــــ فرع الجنوب خالد الملا، الذي أعلنت جماعة العلماء براءتها منه، بالإضافة إلى حزب الدعوة تنظيم العراق ـــــ جناح عبد الكريم العنزي المفصول من «الدعوة» الأم، وتجمع عراق المستقبل، وحزب الفضيلة الذي يعاني من التشتت، إلى جانب شخصيات سياسية أخرى.
وأهم الأحزاب الشيعية التي بقيت خارج الائتلاف الجديد هي «الدعوة الإسلامية» بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، بالإضافة إلى «الدعوة ـــــ تنظيم العراق» جناح هاشم الموسوي، و«المستقلون» برئاسة حسين الشهرستاني.
ويتوقع المراقبون تنافساً حاداً على رئاسة التحالف الجديد، بين أحمد الجلبي ورئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، فيما لم يترشح أحد عن التيار الصدري.
وهنا يدخل معطى يُعد غاية في الأهمية، وهو أن الانتخابات المقبلة ستتزامن مع الاستفتاء على الاتفاقية الأميركية ـــــ العراقية، وهي التي يعارضها التيار الصدري بخلاف «المجلس الأعلى» وبقية أطراف الائتلاف الجديد.
من جهة أخرى، يحظى المالكي وحلفاؤه في «ائتلاف دولة القانون» بتأييد من بعض الأطراف العربية السُّنية، وتحديداً «الصحوات»، لكن نقطة الضعف الرئيسية عنده تكمن في عدم امتلاكه ميليشيات. أما في المعسكر العربي السُّني، فلم تلُح حتى اليوم بوادر اتفاق بين قياداته، في ظل انفراط عقد «جبهة التوافق العراقية»، وانشقاق الحزب الإسلامي، إضافة إلى ميل بعض مكوناته للاتفاق مع المالكي.
ويبقى الطرف الكردي على تحالفاته السابقة، إلا أنه هذه المرة يشهد انسلاخ بعض الأطراف عنه، وخاصة «جماعة السليمانية» برئاسة نوشيروان مصطفى، التي يتوقّع أن تتحالف مع «التيار الوطني المستقل» برئاسة محمود المشهداني، ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي.
وأوضح الأمين العام المساعد لتيار المشهداني، عبد الرسول الساعدي، أن مشروع تحالفه يضم شخصيات «ذات توجهات وطنية، هي علاوي وصالح المطلك ومحمود المشهداني وجواد البولاني وأحمد عبد الغفور ونوشيروان مصطفى».
يبقى أنّ أطرافاً عديدة مؤثرة، ذات توجهات ليبرالية، تسعى إلى تكوين تحالفات أو الدخول في تحالفات قائمة، ومن أبرزها تيار أسامة النجيفي، ذو التوجه القومي، الذي فاز بغالبية مقاعد محافظة نينوى.
إلا أن هذه الخريطة لا تزال معرضة للتغيير الجذري، مع احتمال دخول بعض الأطراف الليبرالية ضمن كتلة المالكي، أو انقلاب المعادلة بدخول رئيس الوزراء وحلفائه إلى الائتلاف الجديد، إضافة إلى احتمال تشتت «الائتلاف الوطني» الذي كشفت أيامه الأولى عن تخلخل في مكوناته.

(الأخبار)