لا يزال الحديث عن إعادة إعمار الجزء الجديد من البارد مبكراً... وربما مبكراً جداً. فإلى الآن لم تحل أزمة أراضي هذا الجزء وما آلت إليه مساعي لجنة الحوار لدى الحكومة للبدء بالإعمار من دون الخوض في الملكية
راجانا حمية
متعب الدخول إلى مخيم نهر البارد، فعدا الحواجز الأمنية التي يُفترض بك المرور بها، يعوزك جهد إضافي للتأقلم مع اللحظة الأولى التي تنقلك من عالم إلى آخر قُلبت معالمه رأساً على عقب.
عالم لا يزال هو هو، رغم الزيارات المتكررة إليه. طرق ترابية، وكأنها بداية مخيم. بيوت مسحولة لم يبق منها سوى ما نفد من عمليات جرف الركام، وبيوت أخرى لا تزال آثار الحرب بارزة فيها، من ثقوب الطلقات إلى فجوات القذائف. وإلى هذا كله، تضاف أراض كبيرة منبسطة وقد كانت عليها مساكن لأشخاص ظنّوا في وقت ماض أنها باقية. لكنها سُحلت، كما حياة بعضهم. لم تعد موجودة.
ما يجري هنا، لا يجري في البارد كله. فكما هو معلوم منذ الحرب الأخيرة هناك، لا يزال الدخول إلى البارد محصوراً بالجزء الجديد منه، بعدما استحال القديم منطقة عسكرية محرمة حتى على ساكنيه.
إذاً، ما نعرفه عن البارد هو ما يجري في الجزء الجديد وحسب، حيث الحياة مؤجّلة. وتتعلّق عودة هذه الحياة إلى طبيعتها، أو على الأقل إلى ما كانت عليه قبل الحرب، أي «محمولة»، بمبادرة الدولة اللبنانية في حلّ أزمة أراضي الجزء الجديد. فعلى ما يبدو، لا يزال مصير إعادة إعمار هذا الجزء عالقاً، وخصوصا أن ملكية أراضيه لا تزال محور نقاش بين أطراف عدة، منها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني والدولة اللبنانية والفلسطينيون أنفسهم. والمشكلة القانونية هي أن غالبية بيوت الجديد مملوكة من الفلسطينيين قبل صدور قانون التملك الذي يمنع الأجنبي من تسجيل الممتلكات باسمه. وهنا، تلفت لجنة الحوار إلى أنها طرحت على الحكومة اللبنانية موضوع إعادة إعمار المخيم كما كان دون الدخول في معمعة الملكية، على قاعدة إعادة الإعمار التي اتبعت في جنوب لبنان بعد حرب تموز. لكن، حتى هذا الطرح ينتظر تأليف الحكومة التي من المفترض أن توافق عليه. ويستبعد مكاوي إمكانية تعديل قانون التملك لجهة تملك الفلسطيني، وخصوصاً أنه يحتاج لإصدار مرسوم من الحكومة ولموافقة من المجلس النيابي، وهو ما لا يحصل بالسرعة المعتادة.
إزاء ذلك، لم يبق أمام الأهالي سوى البراكسات التي تنبت كالفطر هناك. وهو ما يولد لديهم خوفاً من أن تكون المعسكرات تلك مدينتهم النهائية. فمع بداية العودة، كانت هذه البراكسات تقتصر على 3: أول حديدي في «القطاع C» واثنان من الباطون المؤقت (غير مبنيّ على أساسات) في العقار 23 (جنوب غرب المخيم) وفي «بلوك 774» جنوب المخيّم.
لكن، اليوم بعد نحو سنتين على ولادة البراكسات الثلاثة، لم يعد المؤقت مؤقتاً. فالثلاثة الأخرى التي ولدت تباعاً في قطاع «c» في العبدة لم تعد مبنية على عجل لتلائم المؤقت. تأنّت الأونروا بها، وكأنها مدينة نهائية. بنت جدرانها من الباطون المسلح مع «سطيحات» أمامها. ولكنها لتذكر ساكنيها بلجوئهم غطت جدران غرف الباطون تلك بأسقف من الزينكو. «عشش» تنتفي فيها الخصوصية والأمان، فالمار بينها يسترق النظر من نوافذها المشرّعة على الفقر. على حيوات استنفدت مقوّمات الاستمرار، وتنتظر بين الفينة والأخرى «قفص ملوخية» أو مساعدة لتأمين لقمة عيش باتت عصية. أما أسوأ من السكن المتعب، فهو «عصيان» قيادة الجيش إلى الآن بالجزء الخامس من الجديد والمسمى «برايم A». فهل سيبقى تحت السيطرة الأمنية، وخصوصاً أن قيادة الجيش تتجنب الحديث عنه؟ لا يأمل الأهالي ذلك، وخصوصاً أنه يحوي حوالى 60 مسكناً. وهذا يعني 60 عائلة مشردة.


5 ملايين يورو مشروطة

برزت أخيراً مشكلة جديدة في إعمار الجزء الجديد من البارد، وهي مشكلة التبرّعات. فعلى الرغم من أن الدولة اللبنانية طلبت 100 مليون دولار لإعمار هذا الجزء في مؤتمر فيينا العام الماضي، إلا أنه حتى هذه اللحظات لم يصل إلا 5 ملايين يورو من الحكومة الإيطالية لإصلاح البيوت المتضررة جزئياً فقط. أما الخبر الأسوأ فهو أنّ المساعدة لم تُصرف إلى الآن، بانتظار اكتمال فريق العمل، إذ اشترطت الحكومة الإيطالية أن تتولى إعادة تأهيل البيوت مؤسسات مدنية إيطالية.