حيفا ــ فراس خطيبمرّت تسع سنوات على أحداث تشرين الأول التي استُشهد خلالها 13 شاباً من فلسطينيي 48 خلال تظاهرت اجتاحت القرى والمدن العربية. إلا أنّ سلطات الاحتلال لا تزال تتّبع أسلوب القمع ذاته للحدّ من حرية الاحتجاج السلمي. وأظهر تقرير جديد، نشره المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في الداخل، «عدالة»، أنّ سلطات «فرض القانون» الإسرائيلية «تكاتفت» خلال عدوان «الرصاص المصهور» على قطاع غزة، وطبّقت مفهوم «التعامل الخالي من التسامح والتساهل» في قمع النشاطات الاحتجاجية السلمية التي أحياها فلسطينيّو 48 ويساريّون يهود معارضون للعدوان الإسرائيلي. وقد انطوى تعاطي هذه السلطات، بحسب التقرير، على الاعتقالات الجماعية والتعليمات السرية، وتقديم لوائح الاتهام وممارسة العنف من جانب الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك).
وجاء في التقرير، الذي أعدّته المحاميتان عبير بكر ورنا عسلي، أنَّ أشخاصاً لا سوابق جنائية بحقهم «وجدوا أنفسهم داخل المعتقلات، فقط لأنهم أرادوا إسماع أصوات احتجاجهم ضد العدوان العسكري الهمجي الظالم». وبيّن أنّ الشرطة اعتقلت 832 شخصاً أثناء العدوان، 34 في المئة منهم دون سن الثامنة عشرة. كما كشف التقرير أنَّ الشرطة منعت، بطريقة غير قانونية، تنظيم الاعتصامات والتظاهرات، رغم كونها قانونية، حتى إنّها شنّت حملة اعتقالات جماعية شملت كثيرين، ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في مكان الاحتجاج. وللمفارقة، فإنّ الشرطة رأت في النشاطات الاحتجاجية «خرقاً للسلام والهدوء» بداعي وجود بعض المتظاهرين الداعمين للعدوان في مكان قريب من مكان تظاهرات الاحتجاج.
ومن ضمن ما يشير إليه التقرير، أنَّ النيابة العامة والشرطة الإسرائيليتين حوّلتا كل تظاهرة أو نشاط احتجاجي إلى «تهديد لأمن الدولة». وبناءً على ذلك، قدّمت النيابة العامة استئنافاً ضد كلّ قرار لإطلاق سراح مشتَبه به من الاعتقال، وبالغت في الشبهات التي وردت في طلبات الاعتقال بغية تبرير الاعتقال وإبعاد المتظاهر عن بيئته.
ورأى التقرير أنَّ المحاكم الإسرائيلية «شاركت مشاركة غير مباشرة في قمع الاحتجاجات»، إذ ظهر جليّاً كيف تجاهلت المحاكم مبادئ الفحص المفصّل التي تميّز القوانين الجنائية برمّتها، وفضّلت اعتقال المشتبه بهم «بالجملة». كما عثرت معدّتا التقرير في محكمة الصلح في الناصرة على سبيل المثال، على قراريْن متطابقيْن منسوخيْن بعضهما عن بعض، رغم أنهما يعودان إلى أربعة مشتبه بهم مختلفين، تولّى المرافعة عنهم أربعة محامون مختلفون أيضاً. وخلافاً لجميع المعايير الخاصّة بالقوانين الداخلية والدولية، وبدعم من المحكمة العليا، كان التعامل مع القُصّر مماثلاً للتعامل مع البالغين.
وفي ما يخص «الشاباك»، فقد كان شريكاً في «إسكات أصوات الاحتجاج»، من خلال استدعاء عشرات الناشطين الذين نظّموا الاعتصامات الاحتجاجية والتظاهرات إلى التحقيق، الذي كان طابعه سياسياً وشابه التهديد والوعيد.
وفي السياق، سلّط التقرير الضوء على المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وعلى دورها في مضايقة المناهضين للعدوان. وعلى سبيل المثال، لم تتردّد إحدى الجامعات في ترتيب دخول عشرات الشرطيين من المشاة والخيّالة إلى الحرم الجامعي، من أجل تفريق تجمعات الطلاب العرب الذين طالبوا بوقف التعليم لساعات احتجاجاً على العدوان.