ميليشيات السلطة تسطو على أعرق صرح أكاديمي عراقيبغداد ــ زيد الزبيدي
بدأت القصة كلّها غداة الاحتلال، حين شهد العراق محاولات لاستعادة ما بقي من الحياة في مؤسّساته. فتحت الجامعة المستنصرية أبوابها في عهد حكومة أياد علاوي، وأراد رئيسها حينها، الدكتور طاهر خلف البكاء، عضو «القائمة العراقية الوطنية»، إثبات ولائه الديني، بعد اتهامه بالانتماء إلى حزب «البعث» المنحل. عمد الرجل إلى تحويل الحرم الجامعي إلى «جامع» لطائفة معينة، تمارس فيه طقوسها على مدار السنة. إلا أن كل ذلك لم يشفع له، فتمّ استبداله بالقيادي في «المجلس الأعلى الإسلامي» الدكتور تقي الموسوي، الذي حوّل الجامعة إلى «معهد ديني». كما شهدت ولايته أعنف موجات من التطهير والعنف، إضافة إلى الفساد الإداري، وفقدان الأساتذة لهيبتهم أمام الطلبة المنتسبين إلى الميليشيات.
استمرّت الأحوال على حالها، وظلت أحزاب السلطة وميليشياتها الحاكمة تحكم قبضتها على «المستنصرية». قُتل من قُتل من طلابها وكادرها التعليمي، إلى أن قرر أحد الأساتذة فيها، عبد الله البياتي (63 عاماً) عدم السكوت على الاعتداء الذي تعرّض له على أيدي طلاب ميليشيويين قيل إنهم ينتمون إلى حزب رئيس الوزراء نوري المالكي «الدعوة الإسلامية». اعتداء «بكعب مسدس» استهدف البياتي داخل الحرم الجامعي، بعدما تحدثت زوجته، وهي زميلته في الجامعة، عن قضايا فساد مالي ـــــ إداري يقوم بها طلاب في الاتحاد الطلابي.
عمد رئيس الحكومة، الذي ذهب إليه البياتي يشكو الحال، بثيابه المغطاة بالدماء، بقرار شخصي، إلى إقفال الجامعة وحلّ كل الاتحادات الطلابية. وبعد أسبوع واحد، استؤنفت الدراسة. وقال أحد رؤساء الجامعة، فلاح الأسدي، إن 6 روابط واتحادات طلابية أغلقت تنفيذاً لأوامر رئيس الوزراء، «ما ولّد ارتياحاً لدى الجميع»، منوّهاً بأن هذه الروابط «كانت تتدخل في العمل الإداري، وفي عمل لجان الامتحانات في الكليات، وكانت هناك شكاوى مستمرة من تدخل هؤلاء بطريقة غير شرعية».
وأوضح الأسدي أنه «بعد إغلاق الجامعة، أصبح الجو أكثر استقراراً»، مشيراً إلى أن «الدراسة لم تتوقف أصلاً في الكليات التابعة للجامعة في جانب الكرخ، ولا في باب المعظم، وخصوصاً الكليات الطبية التي تقع داخل المستشفيات».
إلا أن المسؤولة في الجامعة، بلقيس كولي، رفضت تنفيذ أمر إلقاء القبض الذي صدر بحق بعض الطلبة، بحجة أن الجامعات مستقلة، وعلى الحكومة عدم تسييسها، واصفة تدخل القوات الأمنية في شؤون الجامعة بـ«المضر». وبذلك، خالفت كولي رأي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عبد ذياب العجيلي، الذي طمأن إلى أن الوزارة «ستعاقب كل من يسيء إلى قدسية العلم وينتهك الحرم الجامعي».
تجدر الإشارة إلى أن مشكلات الجامعة المستنصرية أخذت تتفاقم بعد عزل رئيسها تقي الموسوي في 25 آذار الماضي، على خلفية مشكلات كثيرة اعترت الجامعة وإضرابات نفّذها الطلبة للضغط في سبيل عزل الموسوي، ما استدعى تدخل الوزارة وإقالته، وتعيين الدكتور فلاح الأسدي بديلاً. إلا أن الموسوي رفض تنفيذ الأمر، وبقي يمارس عمله في مكتبه الجامعي، بينما اتخذ الأسدي مقراً له داخل الوزارة. وما زاد من تعقيد الموقف، تدخّل المالكي الذي لم يحلّ الإشكال بين رئيسي الجامعة، بل عمد إلى تعيين كاظم الجابري رئيساً ثالثاً لها.
ويختصر المراقبون وضع الجامعة المستنصرية منذ التاسع من نيسان 2003، حتى الاعتداء على أستاذ كلية الإدارة والاقتصاد في الرابع عشر من تشرين الأول الجاري، بأنه «شوكة في خاصرة العمل الجامعي والأكاديمي العراقي»، بسبب التدخلات السافرة للأحزاب، والكتل والتيارات الدينية تحديداً في شؤونها العامة والخاصة، وتحوّلت في بعض الأحيان إلى مؤسسة دينية لهذا الاتجاه أو ذاك. أوضاع مأسوية باتت لا تعرف معها هوية المسؤول عن الجامعة، ومن هي الجهة التي تمتلك الصلاحيات القانونية والدستورية في تعيين عميد لكلياتها التي تتلاعب بمصيرها روابط طلابية هي في حقيقتها واجهات فاضحة لأحزاب السلطة.
وكان طلاب وأساتذة الجامعة المستنصرية قد تظاهروا في الثلاثين من الشهر الماضي في ساحة الفردوس في العاصمة بغداد، معبّرين عن استيائهم من تدخلات سياسية بشؤون جامعتهم من قبل أحزاب الحكومة، فضلاً عن تدني واقعها التربوي.
ونقل «راديو سوا» الأميركي عن أستاذ قسم الفيزياء في كلية العلوم علي داوود تأكيده استشراء الفساد الإداري المدعوم من بعض الأحزاب السياسية، فضلاً عن تدنّي المستوى العلمي والخدمي داخل الجامعة.
بدوره، شدّد أستاذ قسم الإرشاد، نمير حسن، على ضرورة الالتزام بالمعايير المهنية في اختيار رؤساء الكليات وعمدائها، واضعاً حالة «المستنصرية» في خانة سقوط الواقع التعليمي العراقي ككل. أما الطالب أسعد جميل فيرى أن الجامعة باتت واجهة لبعض الأحزاب السياسية، فضلاً عن تقييدها لحريات الطلبة، مطالباً في الوقت نفسه تلك الأحزاب بعدم التدخل في شؤونها.
يُذكَر أن الجامعة المستنصرية، التي تخرَّج من كلياتها نوري المالكي، تأسّست عام 1963 وتضم 13 كلية، فضلاً عن العديد من مراكز البحوث والدراسات، ويتعلم فيها 45 ألف طالب. وهي إحدى الجامعات العراقية الحكومية، وسمُّيت نسبة إلى المدرسة المستنصرية التي أنشئت في زمن العباسيين في بغداد عام 1233 على يد الخليفة المستنصر بالله. تقع كلياتها الـ 13 في جانب الرصافة من مدينة بغداد، وهي مركز المحافظة، عدا الكلية الطبية وكلية طب الأسنان، لوجودهما إلى جانب مستشفيات تعليمية.


من يعترض يُقتلحال، يروي المحامي الشيوعي حسن عبد الحسين، المسجون حالياً في إيران بتهمة «محارب ضد الله»، نقيضها في زمن حكم صدام حسين. ويكشف أن صدام شكّل هيئة تحقيق ومحكمة خاصة أرسلها من بغداد إلى البصرة، في اليوم نفسه الذي قتل فيه أستاذ في جامعة البصرة على يد أحد الطلبة البعثيين. أجريت التحقيقات، وانعقدت المحكمة داخل الجامعة، وأصدرت حكمها على الطالب القاتل بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم داخل الجامعة في اليوم نفسه.