strong>صنعاء اختبرت صعوبة الحسم العسكري... ومبادرات عربيّة للتسوية السياسيّةكرّ وفرّ وصدّ للهجمات وبيانات متضاربة عن تحقيق انتصارات. هكذا يمكن اختصار الوضع في شمال اليمن، حيث تدور حرب شرسة بين الجيش والمتمرّدين الحوثيّين منذ الحادي عشر من آب الماضي، وسط غياب أي أفق للحسم العسكري أو للحل السياسي وبالتزامن مع تدهور الوضع الإنساني للنازحين

جمانة فرحات
تدخل الحرب السادسة بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين في محافظتي صعدة وعمران شهرها الثالث على وقع ادعاءات طرفي القتال تحقيق الانتصارات.
وعلى هذا المنوال، أعلن مصدر يمني، أمس، أن الجيش صدّ محاولة للاستيلاء على القصر الجمهوري في مدينة صعدة، تكبّد خلالها المتمردون نحو مئة قتيل. في المقابل، ادعى بيان للمكتب الإعلامي لزعيم المتمردين عبد الملك الحوثي «انكسار زحف السلطة باتجاه مديرية حرف سفيان في محافظة عمران، بعدما سقط العشرات من عناصر الجيش بين قتيل وجريح».
بيانات تُظهر عمق التضارب في معلومات الطرفين، وغياب قدرة أي منهما على فرض سيطرته على أرض المعركة؛ فالسلطة اليمنية، التي لم تتوانَ عن استخدام كل أنواع الأسلحة، تقف عاجزة بعد قرابة ستين يوماً من المعارك عن تحقيق انتصار عسكري. في المقابل، لا يبدو أن الحوثيين، الذين يتمترسون خلف الجبال ويخوضون حرب عصابات، على استعداد للاستسلام والسماح للرئيس اليمني علي عبد الله صالح بإعلان نجاحه في حملته التي أطلق عليها منذ البداية تسمية «الأرض المحروقة». فهم، ووفقاً لادعاءاتهم، يشنّون الهجمات تلو الأخرى على المراكز الحيوية للدولة، يحقّقون الانتصارات ويأسرون الجنود ويحاصرون الألوية.
اليمن من بين الأزمات الخمس الكبرى في الشرق الأوسط
وتبرز ملاحظات عديدة يمكن التوقف عندها، لعل أبرزها تصاعد قوة الحوثيين وتطور أسلوب عملهم، الأمر الذي مكّنهم حتى الآن من التعامل مع كل أنواع الألوية البرية أو الجوية التي أُقحمت في المعركة، ما يؤكّد أن الاتفاقات السابقة بين الطرفين لم تكن سوى استراحة محارب، استعداداً لجولة جديدة تثبت كل مرة أنها أشد ضراوة من سابقاتها. فضلاً عن مجاهرة الحوثيّين علانية بوجود تعاون من جانب بعض العناصر في الجيش معهم، وتهريب الأسلحة إليهم، وهو ما يفسّر إقدام النظام اليمني على نشر قائمة سوداء بأسماء عدد من تجّار الأسلحة، كان في مقدّمتها رئيس لجنة الوساطة لإنهاء حرب صعدة فارس مناع.
كذلك يلاحظ توسّع رقعة الحرب لتشمل مديريات جديدة، ما أجبر السلطات اليمنيّة على الاستعانة برجالات القبائل لمحاربة المتمردين، عبر إنشاء ما يسمّى اللجان الشعبية أو الجيش الشعبي. وتعدّ هذه الخطوة خطيرة جداً، بعدما أُدخلت العشائر في أتون الانقسامات السياسية. ومن المرجّح أن تعجز السلطة عن احتواء تداعياتها، وخصوصاً أن البعض يرى أن الحرب في الشمال ما هي إلا نتيجة سياسة الحكومة التي سعت إلى وضع السلفيّين السنّة في مواجهة الزيديّين.
كذلك تتزامن الحرب السادسة في الشمال مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في الجنوب، الذي يطالب بفك الارتباط. ويبدو أن طول أمد الحرب دفع خصمَي الدولة إلى التقارب والتنسيق. تنسيق بدأت ملامحه تظهر مع دعوة الرئيس اليمن الجنوبي السابق، علي سالم البيض، للجنود الجنوبيّين إلى عدم المشاركة في الحرب ضد الحوثيين، قابله إطلاق المتمردين الجنود الجنوبيين الذين اعتُقلوا أثناء مشاركتهم في المعارك.
وفي ظلّ استبعاد إنهاء التمرد الحوثي بالقوة العسكرية، تبقى المطالبات بتسوية وطنية شاملة للخروج من دوّامة الصراعات ومحاولة إيقاف جرح اليمن النازف بعيداً عن سياسات المماطلة والتسويف، هي الأمثل وذلك في ظل تعاظم الحاجة إلى إعطاء الأولوية لمعالجة الأوضاع الإنسانية للنازحين، الذين حذّرت المنظمات الإغاثية من تفاقم معاناتهم بسبب نقص الإمدادات الغذائية ووجودهم وسط مناطق القتال.
وغير بعيد من ذلك تأتي زيارات المسؤولين العرب، وفي مقدّمتهم وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس الاستخبارات عمر سليمان، إضافةً إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي خرج بعد لقائه علي عبد الله صالح ليعلن استعداد الأخير لعقد حوار وطني يشمل جميع الفرقاء في الداخل والخارج على أساس وحدة اليمن.
استعداد يأتي بعد تزايد مخاوف دول عربية عديدة، في مقدمتها السعودية، من أن تنحو الأوضاع في اليمن باتجاه الأسوأ، ليتحوّل هذا البلد، الذي صنّف أخيراً على أنه من بين الأزمات الخمس الكبرى في الشرق الأوسط التي يجب التعاطي معها بحذر، إلى ملاذ آمن لعناصر «القاعدة» لشن الهجمات ضد الدول العربية، كما حصل في التفجير الانتحاري الذي استهدف مساعد وزير الداخلية السعودي المكلّف الشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز.
المخاوف امتدت أيضاً إلى الولايات المتحدة التي سبق أن بعث رئيسها باراك أوباما برسالة إلى نظيره اليمني يؤكد فيها أهمية استقرار اليمن، قبل أن يدفع بعدد من المسؤولين العسكريين إلى صنعاء للتباحث في سبل تقديم المساعدات إلى النظام.