Strong>حنّا: الدولة فاشلة - ديبة: الخصخصة فاشلة - حمدان: استنسابيةأصبحت الخصخصة محور خلاف حقيقي بين فريقين في لبنان، أو هكذا يريدها البعض. الأول يعدّها المخلّص، والثاني يعدّها خياراً لا مبدأً، وبالتالي يجب الاتعاظ من تجارب دول سلّمت دفّة اقتصاداتها للقطاع الخاص، فندمت أخيراً... هذا السجال سيعكس نفسه على البيان الوزاري، فهل هناك مساحة وسطى بين الداعين إلى سياسة اقتصادية لا تنحاز ضد مصالح الفئات الشعبية، وبين المصرّين على تنفيذ بنود باريس 3... من سينتصر؟

رشا أبو زكي
انحرف قطار الخصخصة في عدد كبير من دول العالم، وها هي الدول التي أطلقت سفينة اقتصاد السوق المنفلت من أي تنظيم أو تدخّل، تلملم أشرعتها، وتعود إلى التأميم حيناً، والتدخّل في السوق أحياناً كثيرة... هذه الحقيقة الجديدة لم تصل إلى لبنان بعد، فمسودة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، التي تفوح منها رائحة الرئيس فؤاد السنيورة، تريد من القوى السياسية المشارِكة فيها تجديد الالتزام بالخصخصة باعتبارها الحل، الذي لا بديل منه، لتطوير قطاعات الخدمات العامة وتحسينها وخفض أكلافها وخفض كلفة الدين العام... السجال يبدو حتى الآن كأنه يدور في حلقة مفرغة: مع الخصخصة؟ أم ضد الخصخصة؟ فالفريق السياسي ـــــ الاقتصادي، الذي لا يزال يتصرّف كأنه هو صاحب القرار في هذا الملف، يرفض النقاش مع الفريق الآخر، الذي كان مستبعداً كلياً، وهذا الرفض ليس ترفاً مدرسياً، بل يتجاوز ذلك إلى التهديد بتعطيل كل الخدمات العامّة إذا لم يجرِ تبنّي الخصخصة كحتمية تاريخية... وهذا ما يحصل منذ سنوات طويلة، إذ إن النتيجة ماثلة: لا كهرباء، الاتصالات سيئة وبأعلى كلفة، الإنترنت غير متاح لكل الناس، وسائل النقل العام فرجة، التعليم الرسمي كارثة، المستشقيات الحكومية كارثة أكبر...
وينتظر المتابعون الصيغة التي سيخرج بها البيان الوزاري للحكومة الجديدة، بعدما أصبح الاقتصاد ولأول مرة نقطة خلافية أساسية بين المتخاصمين، وأضحت الخصخصة تحديداً محور نزاع بين فريق سياسي لزِّم تسيير الاقتصاد اللبناني في ظل الوصاية السورية، وفريق آخر يشدد على عدم إيراد الخصخصة ضمن بنود البيان الوزاري، على اعتبار أنها وسيلة لا غاية، وفي ظل صراع كهذا اعتلت الخصخصة قبّة النقاش، لتتماهى في البيان الوزاري مع سلاح المقاومة، وفيما عبارة «التحرير» تجمع كلتا النقطتين، فإن التنافر أساسي، فتحرير الاقتصاد لا يشبه أبداً تحرير الأرض.
إلا أن الخبير الاقتصادي في تيار المستقبل مازن حنا، يرى أن أي قطاع يمكن أن يستفيد من الخصخصة، لكونه يُدخل إليه عامل المنافسة التي توصل الخدمة إلى المواطنين بأكلاف منخفضة على عكس ما يمكن أن يفعله احتكار الدولة، فهذا الاحتكار يولّد، في رأيه، سوءاً في الإدارة، ومن جهة ثانية، فإن للخصخصة أهمية كبرى في بلد يبلغ فيه الدين العام مستويات مرتفعة، إذ إن واردات بيع القطاعات يمكن أن تطفئ جزءاً من الدين العام، كما أنّها تفتح أمام الدولة مجالاً لإنفاق استثماري آخر. إلا أن ذلك لا يعني، وفق حنا، انسحاب الدولة من دورها الإشرافي الذي توفّره الهيئات الرقابية في التأكد من وصول الخدمة إلى المواطنين بجودة أفضل وبكلفة أقل، وهذا منصوص عليه في قانون الخصخصة.
ويرى حنا أن الدولة أثبتت أنها فاشلة في إدارة الكثير من القطاعات، ويستغرب إصرار بعض اللبنانيين على السير عكس الركب الاقتصادي العالمي، ويوضح أن اقتصادات الدول تطوّرت وانتفعت من اعتماد الخصخصة، لا بل لا توجد أي تجرية فاشلة للخصخصة، ويسأل «لماذا نبني أفكارنا على ما آلت إليه الاقتصادات بعد الأزمة المالية العالمية، ولا ننظر إلى إفادة القطاعات الاقتصادية بعد خصخصتها؟». وحنا ضد التشركة، ويدعو إلى تطبيق إصلاحات باريس 3 للحصول على التمويلات اللازمة لتحسين القطاعات الاجتماعية وتطوير خدماتها.
التزامات باريس 3 مأزق للبنان إن كان في التعهد بالخصخصة أو بزيادة الضرائب...
لكن الركب الاقتصادي العالمي وفق ما يؤكده الخبير الاقتصادي غسان ديبة، يذهب منذ انطلاق الأزمة المالية العالمية عام 2008 في اتجاه تدخّل الدولة أكثر في الاقتصاد، ويشدد على وجود أمثلة لا تنتهي عن أن الخصخصة في عدد كبير من الدول أدت إلى نتائج تتناقض مع تحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة الإدارية وخفض الأسعار ونوعية الخدمات، فقد فشل القطاع الخاص في بريطانيا في تحسين أداء قطاع النقل، وفشل كذلك في قطاع الكهرباء في الولايات المتحدة الأميركية... وفي لبنان، تبيّن بعد تجارب عدّة، أن الدولة قادرة على إدارة قطاع الاتصالات بكفاءة عالية، فيما القطاع الخاص فشل في هذا المجال، كما أن المعطيات لا تفيد بأنه قادر على إدارة الكهرباء بطريقة أفضل، ويشدّد ديبة على فكرة أن الخدمة العامة لا تتوخّى الربح، وليس من الضروري أن تزيد من إيرادات الدولة التي يمكن الحصول عليها من مصادر ضريبية أخرى.
ويقول ديبة إن الدين العام أصبح ضخماً لدرجة أن إيرادات الخصخصة، مهما بلغت في ظروف لبنان، لن تؤثر فيه، بل قد تؤدّي إلى نتائج عكسية بسبب فقدان الدولة أصولاً وإيرادات كبيرة، داعياً المعارضة في الحكومة إلى رفض شروط الدول المانحة وصندوق النقد الدولي في باريس 3، لأنها أوقعت لبنان في مأزق كبير، فأصبح الهدف هو الخصخصة وضرب الضمان الاجتماعي ومكتسبات العمال في قانون العمل اللبناني، وزيادة الضرائب غير المباشرة على السلع، وتحميل الشعب المزيد من الأعباء.
ويشير رئيس مركز البحوث والاستشارات الخبير الاقتصادي كمال حمدان إلى أن لبنان ليس من بين الدول ذوات الأنظمة التدخلية، إذ ورث عن الانتداب الفرنسي شركات خاصة سيطرت على قطاعات اقتصادية أساسية فيه، مثل المرفأ وراديو أوريون والريجي وغيرها، فيما كان جزء من توسّع القطاع الخاص في حقبة فؤاد شهاب، التي تزامنت مع نمو الحركة العمالية، وصولاً إلى تفلّت القطاع الخاص ودخوله عدداً كبيراً من القطاعات، ومن هنا، يقول حمدان، إن المشكلة ليست في طبيعة الملكية بل في طريقة إدارة هذه الملكية، ما يجعل النظرة إلى الخصخصة غير محصورة في الرفض أو القبول، بل في تحديد مفهوم الخدمة العامة، والعناصر الأساسية الضيقة لهذه الخدمة. ومع تحديد المفهوم هذا تصبح الأولوية، بحسب حمدان، لإصلاح القطاعات (التي تصنّف خدمةً عامة) مع إبقائها ضمن الملك العام، أمّا القطاعات التي تتجاوز هذا التعريف الدقيق للخدمة العامة، فيجب التعامل معها بشكل منفرد، أي كل قطاع وحده، بحيث إن خصخصة أيّ مرفق يجب أن تراعي مستوى دخل الناس وقدرتهم على تحمل تبعات هذه الخصخصة. وأشار حمدان إلى أن الخصخصة ليست مرتبطة مباشرةً بخفض الأكلاف وتحسين الخدمات، فالتجارب العالمية أثبتت نتائج عكسية لهذه الأبعاد، بعدما تبيّن أن ربحية الشركات الخاصة، التي تسلّمت القطاعات، كانت هي الأولوية.


3 مليارات دولار

هو المبلغ المتوقع أن تحققه الحكومة من خلال بيع قطاع الاتصالات، أي أقل من الإيرادات المحققة في 3 سنوات، ويشدد المسؤول عن ملف لبنان في صندوق النقد الدولي أغوستين كارسنينس على أنه لا حاجة الى برنامج خصخصة شاملة في لبنان إذا كانت العائدات المرتقبة غير كبيرة


هل تتكرّر العبارة؟