نرفوزة
لم يستطع أخونا المتفذلك في الأمن العام في «مطار رفيق الحريري الدولي»، إلا أن يعلّق على الصورة الشخصية التي رآها داخل جواز سفري، أقصد وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين خاصتي. وإن لم تكن تلك الصورة هي التي استثارت فذلكته، لأوجد حتماً ذريعة أخرى للتفذلك، ربما بسبب وقوفه الممل ذاك.
فكما هو متعارف عليه، ما إن يظهر الفلسطيني/ الفلسطينية وثيقة سفرهما أو هوية لجوئهما الزرقاء إن اضطراراً أو تعمداً، إلا وستثار بتفاوت حفيظة الآخر اللبناني أو فضوله أو عاطفته، سواء كان عسكرياً على أحد الحواجز أو زميلاً في الدراسة أو العمل أو غريبا ــــ ما غريب إلا الشيطان ــــ أو رجل أمن في المطار.
وبالعودة إلى أخينا رجل الأمن الذي كان يتفقد الأوراق والمستندات المطلوبة من المسافرين ويختمها ليكملوا مسيرتهم بعيداً عن بيروت، تنبّه إلى الصورة الشخصية التي كنت فيها مرتدية الكوفية الفلسطينية «القح» أو الأصلية، حتى علّق بطريقة استفزازية وابتسامة عريضة كادت تغطي كامل وجهه «متصورة بالكوفية، زيادة وطنية يعني؟».
لم أستوعب جيداً ما سبب هذا التعليق، ولكنني رددت بعصبية «في شي بيمنع؟» أكمل وابتسامته العريضة تلازمه «إنتو الفلسطينيي جاييكو التوطين، ورح تتوطنوا بلبنان! خلص بعدك بتتأملي ترجعي على فلسطين يعني؟».
كدت أصاب بجلطة «لأ مش متأملة أرجع على فلسطين، متأكدة.. إنو رح أرجع على فلسطين» قلت له.
ناولني جواز السفر، أقصد وثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين «تفضلي يا نرفوزة انتِ»، في محاولة منه لتلطيف الأجواء. أخذته، بالطبع، متمنية في سري طول عمره ودوامه في وظيفته المملة هذه، ومتمتمة «أنا بفرجيه! إذا ما بضلني كل ما بدي اعمل هوية أو باسبور ــــ يلعن ها..! ــــ قصدت وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين، أتصور بالكوفية». والحمد لله أنني سمعت كلام أمي وحصلت على وثيقة تخدم 5 سنوات، فحتى ذلك الحين ستبقى الكوفية رفيقة صورتي ووثيقة سفري.

ناديا خيرــــ برج البراجنة

■ ■ ■

محجبة

«ليكن نهاركم سعيداً» هكذا ودعنا أحد الجنديين اللذين استوقفانا بلا سبب محدد في أحد شوارع يافا (شارع «إليعزر كابلان» الذي إذا تابعت السير حتى نهايته فستصل إلى تقاطع شارع ابن غابرييل مع شارع ديزنغوف، أما كابلان ذاك فهو أول وزير خارجية لدولة «إسرائيل»)، وطلب منا (أنا وأختي وأحد أصدقائي) إظهار أوراقنا الثبوتية، لا أدري إن كان هذا أمراً روتينياً، ولأكن أكثر دقة، فهو ليس كذلك، لأني من ضمن ما أعرفه عن حقوق «المواطن» في دولة ما، هو أنه ليس من حق أحد ما استيقافه بالشارع بلا سبب وجيه لإظهار أوراقه الثبوتية، ثم إن كان هناك من يحق له استيقافنا فهم رجال الشرطة (هذا إذا كان هناك سبب) لا الجنود!
ثم يتضح لي، لاحقاً بعد التفكير (وما هو إلا تفكير لثوان عدة) أن الجنديين الآنفي الذكر لديهما سبب وجيه لإيقافنا، فأنا ببساطة محجبة، وبالتالي أُعتبر شخصاً «مشبوهاً» وواجبهما هو التأكد من سلامة «المواطنين» لأني قد أخفي تحت حجابي أو تحت هويتي القومية كفلسطينية عربية قنبلة ما!
وطبعاً بعدما تأكدا من أننا جميعاً «مواطنون»، سألونا إلى أين هي وجهتنا بيافا (لأنه من ضمن ما يظهر ضمن الأوراق الثبوتية «الإسرائيلية» الخاصة بكل «مواطن» مكان سكناه) فقلنا لهم إننا بطريقنا للسفارة الألمانية!
نسيت طبعاً أن أخبركم أننا نحمل أوراقاً ثبوتية إسرائيلية تنص على أننا مواطنون في دولة إسرائيل (وعندما أقول نحن أقصد فلسطينيي الداخل 48)، وهذا هو أحد الأمور التي علينا القبول بها مقابل البقاء في أرضنا!
وبالعودة إلى قصتي القصيرة مع الجنديين فأقول لكم ببساطة إني كنت أستطيع أن أرفض إظهار هويتي، لكني كنت سأعلق حينها بتحقيق طويل قد ينتهي باعتقالي، لهذا فأحياناً (أقصد هنا دائماً) من الأفضل أن أصمت وأريهم هويتي بلا مقدمات أو خاتمات، التي لونها بالمناسبة أزرق!
«ليكن يومكم ممتعاً» كانت جملة رفيقه!
(بالمناسبة لم ننجح بالموضوع الذي من أجله توجهنا للسفارة الألمانية رغم «دعوات» الجنديين الطيبة لنا)

أنهار حجازي ــــ الجليل