فجّرت صحيفة «هآرتس»، أمس، قنبلة سياسية ـــ دبلوماسية، بكشفها عن مسودة مشروع سيصوت عليه الاتحاد الأوروبي، يعترف بموجبه بتقسيم القدس، ويرفض أي تغيير على حدود عام 1967، ويعرب عن استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية سيدة، ما استنفر تل أبيب لإحباطه
مهدي السيد
إذا صحّت المعلومات التي نشرتها صحيفة «هآرتس» أمس، فمن المتوقع أن يُصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعهم المخصّص للبحث في عملية السلام في السابع من الشهر الجاري في مقرهم في العاصمة البلجيكية بروكسل، قراراً يدعو رسمياً إلى تقسيم القدس كي تكون عاصمة لكل من «إسرائيل وفلسطين».
وإذا حصل ذلك، فستكون هذه المرة الأولى التي يُقدم فيها الاتحاد على خطوة مماثلة، ستجسد تحولاً نوعياً في الموقف الدولي من قضية القدس، وتمنح الموقف الفلسطيني قوة سياسية وإعلامية ومعنوية كبيرة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية. لهذا السبب، أطلقت الدولة العبرية، في الآونة الأخيرة، حملة دبلوماسية قوية لمنع صدور القرار، رغم أن فرص نجاحها ضئيلة.
وبحسب الصحيفة، فإن مسودة المشروع، الذي اقترحته السويد باعتبارها الرئيسة الدورية للاتحاد، تلمّح إلى أن الاتحاد الأوروبي سيعترف «في الوقت المناسب، بإعلان استقلال فلسطيني من طرف واحد».
وجاء في مسودة المشروع أنّ الاتحاد الأوروبي «قلق من الجمود في عملية السلام، ويدعو إلى الاستئناف الفوري للمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية»، مشيرة إلى أن هدف المفاوضات هو «دولة فلسطينية مستقلة ديموقراطية، قابلة للحياة وذات تواصل إقليمي يضم الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها شرقي القدس».
ولفتت «هآرتس» إلى أن مشروع القرار يتضمّن إعراباً عن قلق عميق إزاء الوضع في هذا الجزء من القدس. وورد فيه أن «الاتحاد يدعو كل الأطراف إلى الامتناع عن كل الاستفزازات»، ويشدّد على أن دول الاتحاد «لن تعترف أبداً بضم شرق القدس (إلى إسرائيل)»، وأنه، لتحقيق السلام الحقيقي، «يجب إيجاد السبيل لحل مكانة القدس عاصمةً للدولتين». كذلك ينص على ضرورة إعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في شرق المدينة، مشيراً إلى أنّ «على الحكومة الإسرائيلية أن تكفّ عن المعاملة التي تميز بها ضد الفلسطينيين في شرق القدس».
ولفتت «هآرتس» إلى أن قرار سلطات الاحتلال بتجميد البناء الاستيطاني لعشرة أشهر، حظي باهتمام ضئيل في مسودة القرار الذي اقتصر تعليقه على الموضوع بعبارة أن «مجلس وزراء الخارجية (الأوروبي) يسجّل أمامه قرار حكومة إسرائيل بشأن التجميد الجزئي والمؤقت للبناء في المستوطنات، ويأمل أن يمثّل هذا خطوة إلى الأمام نحو استئناف المفاوضات».
وفي مسألة الحدود، يشدد الاتحاد على أنه لن يقبل بأي تغيير تجريه الدولة العبرية على خطوط عام 1967، «إلا إذا وافق الفلسطينيون على ذلك». كذلك رحب بخطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض (إعلان الدولة الفلسطينية في غضون عامين من جانب واحد)، «ويمكنه، في الزمن المناسب، أن يعترف بدولة فلسطينية». «تحذير» فسّرته «هآرتس» بأنه تلميح أوروبي بالاعتراف بإعلان استقلال فلسطيني من طرف واحد.
ويبدو أن وزارة الخارجية الإسرائيلية كانت في صورة مسوّدة القرار، بدليل الجهود الاستباقية التي قامت بها لإحباطه. ووفق «سبق» الصحيفة، فإن سفارات دولة الاحتلال في دول الاتحاد الأوروبي تتابع منذ أسابيع المبادرة السويدية. ولهذه الغاية، بعث السفير الإسرائيلي لدى الاتحاد، دان كورئيل، ببرقيات عديدة إلى حكومته في الأسبوع الماضي، اتهم فيها استوكهولم بـ«أخذ الاتحاد الأوروبي إلى مسار صدامي مع إسرائيل».

فرنسا وبريطانيا تؤيدان المبادرة السويدية وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا «لا تؤيد إسرائيل»
وفي برقية أخرى، كشف كورئيل عن أن فرنسا وبريطانيا تؤيدان المبادرة السويدية، لافتاً إلى أن إسبانيا وألمانيا وإيطاليا «لا تقف أيضاً إلى جانبنا» في هذا الموضوع. وشدّد على أنه، من أجل إحباط القرار، «يجب أن ننال تأييد اثنتين على الأقل من الدول الخمس هذه». وأوصى بتوجه القيادة العليا لحكومته إلى كل من برلين وروما «حيث ثمة أمل في أن تساعدا إسرائيل».
وفي السياق، بعث قسم أوروبا في وزارة الخارجية، قبل أيام، ودائماً وفق «هآرتس»، برقية عاجلة إلى ممثلياتها في الاتحاد الاوروبي، تضمنت تعليمات بالعمل على إحباط القرار. برقية طلبت من الدبلوماسيين الادعاء أنّ الحديث هو عن قرار أحادي الجانب وغير متوازن يتبنى تماماً الموقف الفلسطيني، ويقرر مسبقاً نتائج مفاوضات التسوية الدائمة.
ونقلت الصحيفة العبرية عن دبلوماسيين أوروبيين مطّلعين على المباحثات طمأنتهم إلى أنه «ستكون هناك تعديلات في مصلحة إسرائيل في القرار»، مع ملاحظة أنّ احتمال إلغاء القرار الذي يدعو إلى تقسيم القدس «يقترب من الصفر». وقال دبلوماسي أوروبي: «نعتقد أن القرار سيساعد الفلسطينيين على العودة إلى المفاوضات، لأنه يمنحهم ضماناً أوروبياً بعاصمة فلسطينية في القدس».


نتنياهو يخرق تجميد الاستيطان

بعد مرور أقل من 24 ساعة على قرار الحكومة الإسرائيلية بدء تطبيق التجميد الجزئي للبناء الاستيطاني، خرق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قرار حكومته عندما سمح لمستوطني «كيدار» باستمرار البناء في 25 وحدة سكنية جديدة، بعدما أبلغ مراقبو الإدارة المدنية الإسرائيلية هؤلاء المستوطنين بضرورة وقف البناء.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن مرض نتنياهو لم يحل دون تدخله للسماح لهم بمواصلة البناء، بعدما اتصلوا برئيس مكتبه، نتان إيشل، وأخبروه أن مراقبي الإدارة المدنية جاؤوا مع تعليمات بوقف بناء 25 وحدة سكنية جديدة. وعلى الفور، اتصل نتنياهو بوزير الدفاع إيهود باراك، وتقرر السماح باستمرار البناء للوحدات السكنية هذه. وذكر تقرير للقناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي أن عمليات البناء تتواصل في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة بوتيرة متسارعة. وأكد التقرير أنّ شركات البناء سارعت إلى وضع أساسات لعدد كبير من المباني للالتفاف على قرار التجميد.
وفي إطار المساعي التي يبذلها مستوطنو الضفة لإحباط قرار التجميد الجزئي، كشفت «هآرتس» عن أن اجتماعاً لبحث الموضوع عقد أول من أمس، بمشاركة جميع رؤساء المستوطنات، الذين توصلوا إلى خلاصة تفيد بأن المعركة مع التجميد واستمرار البناء بعده، ستُحسم داخل حزب «الليكود». وبناءً على ذلك، من المتوقع ممارسة ضغط سياسي مكثف على المترددين في الحزب، و«عناق حارّ لمعارضي التجميد»، ولا سيما أن الكثير من رؤساء المستوطنات في الضفة الغربية أعضاء في «الليكود».
(الأخبار)