أعاد الدخول العسكري السعودي حرب صعدة إلى الأذهان دور المملكة الذي لم ينطفئ في اليمن. دور مر بمراحل عديدة حكمته توجهات النظام اليمني، سواء كان ذلك في عهد الملكيين أو في العهد الجمهوري. وطغت عليه أساساً نظرة تعتقد بأنّ «يمناً قوياً ومستقراً في ظل خلافات حدودية خطر لا يمكن قبوله».أما في صعدة، فيرى البعض أن التدخل السعودي يعود إلى اللحظة التي بدأت فيها المدارس الوهابية تنتشر في المحافظة، التي تعدّ معقل الزيدية. انتشار ربطه الحوثيون بمحاولة لتغيير الواقع المذهبي في المنطقة الحدودية. ويدور الحديث عن وجود مئات الشخصيات اليمنية التي تتلقّى رواتب مالية بصورة شهرية من الحكومة السعودية، فضلاً عن تمويل السعودية للعديد من المدارس الدينية ذات الفكر الوهابي.
وازدادت وتيرة التمويل مع عودة الوئام بين الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والحكم السعودي، بعد توقيع معاهدة جدة لترسيم الحدود عام 2000، وتخلّله دعم مالي مباشر للحكومة اليمنية.
من هذا المنطلق، كان الجانب السعودي خلال السنوات التي شهدت حروباً متقطعة بين الجيش اليميني والحوثيين، يكتفي بالدعم المالي لنظام صنعاء والموالين له. دعم كان يقابله في الوقت نفسه ارتياب من مجرى العمليات، وخصوصاً في ظل الخسائر في صفوف الجيش اليمني، والفساد الذي كان يبعد المساعدات السعودية عن ساحات المعارك. ووسط هذا الارتياب، أصدر مجلس الوزراء السعودي، للمرة الأولى خلال الحرب الرابعة التي اندلعت في 2007، بياناً يُهاجم الحوثيين بوصفهم «فئة ضالة وباغية». اتهام استتبعه فتح الأجواء السعودية أمام الطائرات اليمنية للسماح لها بشن هجمات على المتمردين، ليليه انغماس أكبر في الحرب الخامسة في عام 2008، تمثّل في تمويل إنشاء ميليشيات من القبائل المعادية للحوثيين. وفي وقت كانت فيه الرياض تنفي أي تدخل، مكتفيةً بالحديث عن وجود تنسيق مع اليمن، جاءت الحرب السادسة لتُخرج إلى العلن الدور السعودي في حرب صعدة، مع إعلانها الانخراط في العمليات العسكرية تحت ستار حماية أرضها من تسلل المتمردين.
ذريعة حاول أول من أمس زعيم المتمردين، عبد الملك الحوثي، سحبها بإعلانه الانسحاب من كامل الأراضي السعودية، فيما ردت عليها السعودية بالقول إنها تدرس هذه البادرة.
رد تزامن مع الكشف عن قيام البرلماني اليمني أمين العكيمي، الذي تربطه علاقات قوية مع الرياض، بوساطة بينها وبين المتمردين، فضلاً عن بروز حديث عن دور سوري في مبادرة الحوثي الأخيرة.
وحمل التدخل السعودي المباشر في طياته دلالات سياسية متعددة. ولعل أبرزها إعطاء الحرب صفة إقليمية، بعدما كانت تقتصر، وإن ظاهرياً، على حرب داخلية بين سلطة مركزية وجماعة متمردة.
من جهةٍ ثانية، أكّد التدخل السعودي المباشر عدم ثقة المملكة بقدرة النظام اليمني على حسم المعركة. فضلاً عما يتردّد عن وجود توتر حدودي سعودي يمني مستجد، أسهم في دخول السعودية الحرب. توتّر تظهّر في عودة الأصوات اليمنية التي تجاهر برفض معاهدة جدة لترسيم الحدود، التي يعدّها العديد من اليمنيين مجحفة. وهو ما يفسر إعلان السعودية أنها لن تكتفي بطرد المتسللين من أراضيها، بل تريد إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي اليمنية.
من جهةٍ ثانية، يرى البعض في العمليات العسكرية السعودية، إشارة إلى رغبة أفراد من داخل الأسرة الحاكمة في المملكة في كسب تأييد المعادين للشيعة، وخصوصاً أن منطقة المعارك مع الحوثيين، متاخمة لمناطق سعودية تتمتع بانتشار واسع للطائفة الإسماعيلية. انتشار يبدو أنه يزيد من قلق الأسرة الحاكمة، التي يريد بعض أمرائها الدفع باتجاه إقامة قاعدة عسكرية دائمة بالقرب من الحدود مع اليمن خوفاً من حزام شيعي يمتد من صعدة إلى داخل الأراضي السعودية.
وفي السياق نفسه، يبرز الحديث عن دور للخلافات داخل الجناح السديري في الأسرة الحاكمة يحرّك الحرب في صعدة، في مقابل جناح في القصر الملكي كان يرفض التدخّل المباشر، مع ما يظهره هذا الأمر من غياب استراتجية واضحة وموحّدة لدى السعودية تجاه اليمن.
وهناك من يربط بين الانغماس السعودي ومحاولات إعادة تموضع الأمراء في مراكز الحكم داخل السعودية، وتحديداً ما بات يعرف بالجيل الثاني. جيل يتمثّل أساساً في مساعد وزير الدفاع ونجل ولي العهد سلطان بن عبد العزيز، الأمير خالد بن سلطان، والأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية، نجل النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، الأمير نايف بن عبد العزيز.
واللافت أن الأميرين خالد ومحمد، على الرغم من صفتهما الرسمية كمساعدَين لوالديهما في الوزارتين، فإن دورهما بات أقرب إلى دور الوزير الفعلي، متخطّيَين بذلك دور اثنين من أبناء عبد العزيز يشغلان منصبي نائبي وزيري الدفاع والداخلية، وهما الأمير عبد الرحمن والأمير أحمد. وبالتالي فإن لنتائج الحرب مع الحوثيّين على ما يبدو انعكاسات سياسية بعيدة المدى على مستقبل مختلف الأمراء، الذين يمسكون بالملفين الأمني والدفاعي للسعودية.