عملاً بتعهده للإسرائيليين أنه سيعمل على قاعدة «التصعيد في الخطاب لا التصعيد في القرارات»، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أن السلطة «لا يمكنها الاستمرار في التزام الاتفاقات مع الكيان الإسرائيلي في ظل عدم التزامه تلك الاتفاقات وخرقها دائماً». لعبةٌ كلامية أنقذت عباس مما أشاعه من حوله بأن قنبلته التي أعلن نيته تفجيرها في الأمم المتحدة فيها خيارات «صعبة»، فجعلته يقدم معادلة سهلة على الإسرائيليين.
وما دام من في تل أبيب يعتبرون أنفسهم يسعون إلى «السلام» فيما الفلسطينيون «يكذبون» بهذا الشأن، فإن من السهل عليهم الادعاء أنهم يلتزمون بنود «أوسلو»، وأن السلطة هي التي لا تلتزم ذلك، إن قصّرت ــ لو قليلاً ــ في التزاماتها الأمنية لإسرائيل، مثلاً، بمنع المقاومة في الضفة المحتلة!
لم يخرج كلام «أبو مازن» عن إطار ما بلغ به الإسرائيليين، مباشرة أو عبر رجاله (راجع العدد ٢٧٠١ في ٢٨ أيلول ــ محضر الاجتماع)، وهو ما يمكن تلمسه في ثنايا خطابه، خاصة لمن صدّق تكذيب السلطة لما قالته في السرّ للإسرائيليين.
أوضح عباس أنه «ما دامت (إسرائيل) مصرة على عدم التزام الاتفاقيات وتحويلنا إلى سلطة شكلية من دون سلطات حقيقية، فإنها لا تترك لنا خياراً سوى تأكيد أننا لن نكون الوحيدين الملتزمين الاتفاقيات الموقعة». كذلك أشار، في خطوة غير مسقوفة بزمن محدد، إلى أننا «سنبدأ تنفيذ هذا الإعلان بالطرق والوسائل السلمية والقانونية، فإما أن تكون السلطة... ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل إسرائيل سلطة الاحتلال، مسؤولياتها كافة».
وليس غريباً على الرجل، الذي هدد عشرات المرات بحل السلطة والاستقالة ووقف التنفيذ الأمني ولم يفعل أياً منها، أن يكون مستوى خطابه «العالي» بنبرته غير قابل للتطبيق أصلاً، استناداً إلى الارتباط الوثيق لوجود السلطة، برضا العدو الإسرائيلي عنها.
أيضاً، عاد عباس ليكرر نغمة «المحكمة الجنائية الدولية»، لكنه قال إن «من يخشى القانون الدولي والمحاكم الدولية عليه أن يكف عن ارتكاب الجرائم... لا نغوى الذهاب إلى المحاكم الدولية لكن الاحتلال يجبرنا على الذهاب، وسنذهب». ومن نافلة القول، الإشارة إلى طريقة تعاطي إسرائيل مع المجتمع الدولي، أو تغطية الأخير على جرائمها، وهذا ما يجعل تهديد عباس بالمحكمة الدولية، مع حرصه على أنه خيار «اضطراري»، أقل من أن تخاف منه تل أبيب.
ولم يفته بعد كل هذا التهديد أن يمد يده «للسلام العادل... أقول لجيراننا أبناء الشعب الإسرائيلي، إن السلام مصلحة لكم ولنا ولأجيالنا وأجيالكم القادمة جميعاً... ستجدون أن تحقيق السلام سيغدو في المتناول، وستنعمون بالأمن والأمان والسلام والاستقرار».
اللافت أن «أبو مازن»، الذي كان مقربون منه قد أسرّوا قبل ذهابه بأنه سيطلب «قوات حماية دولية» في مدن الضفة، عرض طلبه على شكل مناشدة لمجلس الأمن والجمعية العامة «بإيجاد مظلة دولية تشرف على إنهاء الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية (المبادرة التي قدمها سابقا)، وبتوفير نظام حماية دولية للشعب الفلسطيني وفقاً للقانون الدولي». وأضاف: «نرجوكم، نحن بحاجة إلى حماية دولية».
بعد ذلك، انتقل عباس للمشاركة في مراسم رفع العلم الفلسطيني، للمرة الأولى، على مبنى الأمم المتحدة، وذلك في حدث «رمزي»، إلى جانب أعلام الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة والفاتيكان، علماً بأن السلطة حازت وضع دولة مراقب غير عضو. وحضر بجانب عباس الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وعشرات المسؤولين الأجانب، ولم يحضر عدد كبير من قادة الدول. كذلك قرر «أبو مازن» اعتبار الثلاثين من أيلول «مناسبة وطنية» كل عام.
مباشرة، ردّ مكتب رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، على الخطاب بوصفه بـ«الكاذب ويشجع على التحريض والشغب في القدس الشرقية».
وأضاف البيان: «ندعو السلطة ومن يقف على رأسها إلى التصرف بمسؤولية والاستجابة لدعوة رئيس حكومة إسرائيل وأن يجلس فوراً إلى طاولة المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة».
أما حركة «حماس»، فوصفت الخطاب بأنه «إنشائي وعاطفي»، قائلة إن الحكم عليه مرهون بمدى تنفيذه. وكانت «حماس» قد سبقت ذلك بدعوة عباس إلى إعلان إلغاء الاتفاقات الموقعة مع العدو، مؤكدة أن «المرحلة الراهنة مصيرية ولم يعد من المجدي استمرار التعامل معها بخطابات رنانة أو الاكتفاء بخطوات شكلية ليس لها قيمة على الأرض».
(الأخبار)