بغداد | لم يدرك العكسريون العراقيون المنتشرون في قاعدة عين الأسد (غربي الأنبار) سبب التشديدات الأمنية التي شهدتها القاعدة، أوائل شهر آب الماضي، والتي تبعها هبوط طائرتين أميركيتين وحضور كثيف لمسؤولين من حكومة الأنبار المحلية، ونواب عن محافظة الأنبار وشيوخ عشائر أنبارية من الرافضين لوجود «داعش» في المحافظة. انجلى غبار الاجتماع ــ الذي عقده مسؤولون أميركيون بشكل سري مع ممثلي الأنبار ــ بعدما قررت واشنطن الحضور على الأرض في الرمادي، كمرحلة أولى، بالتزامن مع إصدار أوامر بإبعاد «الحشد الشعبي» عن معركة الرمادي، بشكل خاص، والأنبار بشكل عام.
مصادر خاصة كشفت لـ«الأخبار» محضر الاجتماع، وما سبقه من اتصالات سرية بين واشنطن وممثلي الأنبار، على مدى الأشهر القليلة الماضية، والذي أدى فيه الأميركيون على ورقة المصالح المشتركة بين الطرفين، بعيداً عن الحكومة في بغداد.
أكدت المصادر أن «هناك اتفاقات سرية جرت بين الطرفين، اعتمدت مبدأ الغاز مقابل الأمان، بهدف تأمين مدينة الرمادي مقابل استثمار حقول غاز عكاز، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان اتفاقية تسعينات القرن الماضي التي نصّت على النفط مقابل الغذاء».
مصدر مطلع في حكومة الأنبار، تحدث لـ«الأخبار» عن محضر الاتفاق بين الأميركيين وممثلي الأنبار، مشيراً إلى أنه شمل «ضمان الأميركيين عدم دخول الحشد الشعبي أو أي من فصائل المقاومة الإسلامية إلى أرض الأنبار والمشاركة في العمليات العسكرية، مقابل تسليح أبناء العشائر السنية وتوفير التغطية الجوية الكاملة لهم، مع استخدام الدرع الأميركي لتأمين أولئك المقاتلين، إلى جانب القوات الأمنية النظامية فقط».
كذلك، تضمن الاتفاق، وفق المصدر، تأمين كافة حدود الأنبار، وخصوصاً الغربية والشرقية الغربية منها، المتاخمة لكل من سوريا والموصل وبيجي، والتي ستؤمّن جوياً، فضلاً عن إنشاء جدار فاصل مثل الجدار بين الحدود السعودية ــ العراقية، وإفساح المجال أمام أبناء العشائر السنية للإمساك بالأوضاع على الأرض، بدل القوات العراقية، حتى استكمال تشكيل «الحرس الوطني»، الذي يشكل أبناء الأنبار النواة الأساسية له في المحور الغربي من البلاد.
أكدت المصادر، أيضاً، منح الأميركيين ضمانات لممثلي الأنبار، بأن يتم إعمار مدن المحافظة المدمرة بعد التحرير، ولاسيما الرمادي والفلوجة، وتعويض أهلها وإعادة المهجرين إليها، إضافة إلى استكمال البنى التحتية ورفد المحافظة بمشاريع استثمارية.
ويبدو أن الأميركيين عازمون على منح حكومة الأنبار المحلية صلاحيات أوسع، والحد من تأثير الحكومة المركزية على قراراتها، وذلك بعد ان تتمّ عملية التحوّل من الحكم المركزي إلى الحكم الفدرالي اللامركزي، أو إمكانية إنشاء إقليم سني على غرار إقليم كردستان.
كل ذلك مقابل تقديم الأنبار وممثليها بعض التنازلات لواشنطن، تتمثل في إنشاء الأميركيين قاعدتين خاصتين بهم في «عين الأسد» (غربي الرمادي)، والحبانية (شرق الرمادي)، وتكون هاتان القاعدتان ثابتتين حيث يتم إنزال عدد من الجنود والآليات، فضلاً عن الطائرات النفاثة والطوافات.
لكن الأميركيين لم يكتفوا بالقواعد العسكرية، فقد كانوا أكثر إصراراً على عرض آخر وهو منح حقول غاز «عكاز» لاحدى الشركات الأميركية، بواقع استثماري يصل إلى «51%» للحكومة المحلية و«49%» للشركة المستثمرة.
وتعد حقول «عكاز» الغازيّة من أكبر الحقول المكتشفة في العراق، والممتدة على مساحات واسعة في عمق الصحراء، في الوقت الذي يمكن أن تعمل بطاقة إنتاجية تقدّر بـ400 مليون قدم مكعب، لمدة 13عاماً.
من جهتها، حذرت «فصائل المقاومة» في العراق من مشروع أميركي للعودة إلى البلاد، بحجة محاربة الإرهاب، متوعدة بالوقوف في وجه أي حضور أميركي بري، سواء في الأنبار أو في أي مدينة في العراق.
الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي دعا إلى تظاهرة مليونية في شوارع المدن العراقية، للوقوف في وجه ما سماها «المؤامرة على العراق وعودة الاحتلال الأجنبي»، مطالباً أنصاره بالاستجابة لهذه الدعوة. كذلك، فقد توعّدت «كتائب حزب الله في العراق» و«سرايا السلام» بالرد عسكرياً على أي حضور أجنبي على الأراضي العراقية.