خاص بالموقع - يتسابق علماء الآثار في القدس للكشف عن قطع أثرية تشير إلى الماضي اليهودي للمدينة لاستخدامها في تبرير مطالبة إسرائيل بأن تكون القدس بكاملها عاصمة الدولة اليهودية الحديثة. لكنّ المنتقدين يقولون إنّ بعض ما يتم التوصل إليه هو مجرد لي ذراع العلم لإثبات «ميراث توراتي» لا يزال مثار جدل.ويقول رافاييل غرينبرغ وهو عالم آثار إسرائيلي من جامعة تل أبيب عمل في القدس «تخلى الأثريون عن الكثير من أفضل أساليبهم من أجل تلبية المطالب المستمرة للاعبين سياسيين في الأساس».
ونظراً لسخاء التمويل الذي يأتي بعض منه من جماعات دينية عازمة على توسيع المستوطنات اليهودية ينفذ الأثريون أعمال الحفر بسرعة قياسية بحثاً عن مواقع توراتية محتملة في القدس الشرقية المحتلة والمناطق المحيطة بها في الضفة الغربية.
ويقول المنتقدون إنّ الأعمال تسير بسرعة بالغة حتى أنّ انهيارات تحدث في بعض المناطق ما يزيد من حدة التوترات مع نحو 250 ألف فلسطيني يقيمون في القدس التي تسيطر عليها إسرائيل بالكامل منذ عام 1967.
وبدأت أعمال التنقيب عن الآثار في القدس منذ ما يزيد بكثير على قرن من الزمان، عندما بدأ هواة بريطانيون الحفر أسفل المدينة القديمة قبل 150 عاماً ما كشف عن بقايا يقول الكثيرون إنها لمستوطنة محاطة بالجدران كان يحكمها الملك داود الذي ورد ذكره في التوراة.
ولا يزال الحفر مستمراً في موقع مدينة داود الذي تحوّل الآن إلى مزار سياحي يرتاده نحو 400 ألف زائر سنوياًَ. وتموّل الموقع جماعة إيلاد التي تؤيد الاستيطان اليهودي.
لكن غرينبرغ غير مقتنع بالتركيز المبالغ فيه على الكتاب المقدس. ويقول «علم الآثار لا يمكنه أن يثبت أو يدحض ما ورد في التوراة». وأضاف «وجود اسم يشابه اسماً ورد في التوراة لا يمكن أن يفسر بأكثر من ذلك... انّه مجرد اسم». وقال إنّ بعض علماء الآثار يحاولون استرضاء الممولين مثل جماعة إيلاد التي تسعى لتأكيد وجود جذور توراتية وتطوير السياحة لتعزز المطالبة اليهودية بالمنطقة.
وقال غرينبرغ الذي يعلن منذ فترة شكوكه بشأن التنقيب عن الآثار في القدس « بمرور الوقت عندما يمولك مثل هؤلاء الناس بمبالغ ضخمة، ونحن نتحدث هنا عن ملايين الدولارات، تصبح جزءاً من الآلة».
ويشعر علماء الآثار في القدس بالضغوط التي تمارس عليهم من كل جانب. ويقول روني رايش وهو عالم آثار من جامعة حيفا في شمال إسرائيل «يراقب متطرفون دينيون عملي من كلّ جانب من البلدية وهيئة الآثار. كلّ يدفع من جانبه».
وكان رايش يتفادى مجموعات السياح وهو يتسلق الدرج الحجرية العالية لبحيرة سيلوام التي نقب فيها عام 2004. وتفيد نصوص الكتاب المقدس انّ المسيح شفى ضريراً في هذا المكان.
ويؤكد رايش على أنّ مموليه من جماعة إيلاد لا يفرضون نفوذهم عليه وانّه «لا يتفق» مع كلّ شيء تفعله إيلاد. وقال إنّ عمله يتعرض لهجوم ظالم. فالمنتقدون «لا يمكنهم محاربة إيلاد في المحاكم لذلك يستغلون أعمال الحفر التي أقوم بها» لمهاجمتها بالوكالة.
واستعراضاً لرأي شخص من الخارج يتحدث الكاتب البريطاني سايمون غولدهيل في كتابه الصادر عام 2008 بعنوان «القدس: مدينة الشوق» عن الحماس في أعمال الحفر التي تعيد كتابة النصوص كل عام تقريباً كما تحدث عن الجدل الشخصي المرير.
وكتب غولدهيل، الاستاذ بجامعة كمبردج، يقول «الخلاف الشديد على وضع الكتاب المقدس بالنسبة لعلم الآثار هو خلاف تقليدي في القدس». وأضاف «فهو يلامس العديد من القضايا الشخصية داخل الدوائر الصغيرة للعاملين بالآثار ويتشابك مع المشاعر السياسية المشحونة الخاصة بالتاريخ القديم لهذا البلد».
ويتهم بعض المنتقدين مثل هاني نور الدين من جامعة القدس الفلسطينية في المدينة بعض علماء الآثار العاملين هناك بأنّهم يهتمون بالدعاية أكثر من اهتمامهم بمراجعات العلماء.
وذكر اسم إيلات مازار من الجامعة العبرية في القدس التي لفتت الانتباه الشهر الماضي باكتشاف جدار قالت إنّ الملك سليمان بناه في القرن العاشر قبل الميلاد.
وقال نور الدين «إنّها لا تورد أي سياق أثري لما توصلت إليه من نتائج سوى تأريخ قطع من الفخار». وتابع «يتعين تنحية التوراة جانباً فهو ليس كتاب تاريخ».
لكن مازار وهي سليلة أسرة تضم بعض أشهر علماء الآثار في إسرائيل ترد على ذلك قائلة «التنقيب في القدس دون معرفة ما ورد بالتوراة مستحيل». وقالت إنّها ستكتب تقريراًَ علمياً بما توصلت إليه بعد دراسات معملية.
وتقول مازار مشيرة إلى الجدار المكتشف حديثاً إنّ التوراة توفر «جوهر الحقيقة» وتابعت «لدينا خط تحصين رائع يرجع تاريخه للقرن العاشر (قبل الميلاد) يشير إلى نظام مركزي قوي». وأضافت «التوراة تبلغنا بأنّ مثل هذا الملك كان موجوداً في هذا الوقت واسمه سليمان. فلماذا نتجاهل ذلك». وقالت «السؤال هو ما إذا كان بامكاننا رصد ذلك واثبات وجوده. وها هو ذا».
ويشكو غرينبرغ من أنّ التركيز على تواريخ بعينها للشعوب المقيمة على الأراضي المحيطة بالقدس قد يطمس حقيقة أنّ ما يكتشف هنا يمكن أن تكون له أهمية أكبر بكثير من مجرد إثبات أو دحض الروابط مع أسلاف جماعة أو أخرى.
وقال «علم الآثار الإسرائيلي يمكنه أن يسهم بالكثير للتاريخ ذاته عن تطور الحضارات الإنسانية القديمة... ولكن إذا كان كلّ ما نتعامل معه هو من كان اليهود أو الفلسطينيون فإنّ هذا أسلوب عفا عليه الزمن لعلم الآثار لا يقدم شيئا للعالم».
(رويترز)