جمانة فرحاتعلى هذا المنوال، اختار القذافي منذ توليه الحكم في عام 1962 المدينة لنقل إليها أهم مراكز الحكم في الدولة. وتضم المدينة شبه الصحراوية، التي تبعد قرابة 450 كيلومتراً عن العاصمة لجهة الشرق، مجمع الأمانات الذي يشمل قصر المؤتمرات، وهو أكبر قاعة للمؤتمرات في شمال أفريقيا، وقرية الضيافة التي تستضيف الوفود المشاركة في القمة العربية.
وتضم المدينة كذلك مقارّ بعض الوزارات، إضافة إلى المقر الرئيسي لمؤتمر الشعب العام (البرلمان)، وجامعة «التحدي».
وتحولت المدينة، الواقعة في منتصف الساحل الليبي بين طرابلس وبنغازي، بفعل الأحداث السياسية التي عايشتها، إلى شاهد تاريخي. واكتسبت سرت، التي أخذت اسمها من خليج سرت، أسماء كثيرة منذ أيام الفينيقيين الذين أطلقوا عليها اسم «ايفورانتا ماكو ماديس». كذلك أطلق على المدينة اسم مدينة الرباط الأمامي بعد مواجهات عسكرية بين ليبيا والولايات المتحدة، فيما أطلق على خليج سرت اسم خليج التحدي بعد هذه الواقعة تحديداً.
فبعد إعلان ليبيا منذ عام 1973 أن خليج سرت يمثّل بكامله جزءاً من مياهها الإقليمية، شهدت هذه المياه مواجهات مع القوات الأميركية التي انتشرت في الخليج في مرحلة الحرب الباردة في فترة الثمانينيات، على خلفية اختراق طائرة تجسس أميركية في أيلول من عام 1980 المياه الإقليمية للخليج.
وعلى الأثر ردت القوات الليبية بإطلاق صاروخ جو ـــــ جو فشل في إصابة الطائرة قبل أن تتكرر الحادثة من جديد بعد عام واحد فقط، ما دفع ليبيا في عام 1986 إلى تحديد خط عرض 32 الذي ينتهي عنده الخليج من الشمال، كنقطة لا يجوز تجاوزها إلاّ بإذن مسبق منها وسمّته «خط الموت»، من دون أن تنجح في وضع حد للمواجهات التي تكررت وتخللها إغراق سفن وإسقاط طائرات من الطرفين.
وشهدت المدينة فصولاً من معارك الليبيين مع الاحتلال الإيطالي. وعايشت معركة القرضابية الشهيرة التي هزم فيها الإيطاليون بقيادة الجنرال أميان في 29 نيسان 1915. كذلك عقد أول مؤتمر للوحدة الوطنية في 22 كانون الثاني 1922 في المدينة.
وليست المرة الأولى التي تقام في مدينة سرت مؤتمرات إقليمية، ومن أبرزها إعلان الاتحاد الأفريقي في 9 أيلول 1999 بمجمّع قاعات واغادوغو وتوقيع اتفاق سلام البحيرات العظمى. كذلك كانت المدينة مقراً للمفاوضات بين فصائل متمردة ودول الجوار، ومنها على سبيل المثال الحركات السودانية.
وعرض القذافي أن تستضيف المدينة العديد من مقارّ الاتحاد الأفريقي، ولم يتوان عن دعوة الأمم المتحدة العام الماضي إلى نقل مقرها إلى مدينته المحببة. واختيرت المدينة لتكون عاصمة للثقافة العربية للعام المقبل.
ويمتهن سكان سرت، الذين لا يتخطى عددهم سبعين ألفاً، العمل في الخدمات التجارية والإدارية مستفيدين من موقع مدينتهم التي تحتضن جزءاً كبيراً من الساحل الجنوبي للبحر المتوسط بطول 400 كيلومتر.