تل أبيب لاسترضاء الغرب بتخفيف الحصار علي حيدر
عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، أمس، جلسة بحث فيها إمكان تخفيف الحصار عبر السماح بإدخال كميات أكبر من البضائع، مع إبقاء الحصار البحري. وتوقعت الإذاعة الإسرائيلية أن يوافق المجلس، الذي يفترض أن يعقد جلسة أخرى اليوم، على مشاريع بناء وترميم مدارس وغيرها من المباني العامة التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد حذر من أن رفع الحصار البحري عن قطاع غزة قد يحوّله إلى «ميناء إيراني»، مشيراً إلى إمكان إيصال الصواريخ بكميات أكبر عبر السفن.
وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن «اللائحة السوداء» قد تتضمن نحو 120 سلعة أو مادة أخرى محظورة بحجة إمكانية استخدامها «لأغراض عسكرية»، في إشارة إلى مواد البناء والأنابيب والأسمنت والحصى، فيما يرى معلّقون إسرائيليون أن الحكومة الإسرائيلية ترفض فكّ الحصار انطلاقاً من أنها ستبدو كمن خضع أمام حركة «حماس».
وفي السياق، أعلن ممثل اللجنة الرباعية الدولية في الشرق الأوسط، طوني بلير، في مقابلة مع شبكة «سي أن أن»، إمكان التوصل إلى اتفاق لتخفيف حدة الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة خلال أيام. وأضاف أن إسرائيل تطبّق حالياً لائحة بالمواد المسموح بدخولها إلى الأراضي الفلسطينية، غير أنها ستنتقل إلى نظام سيُسمح بموجبه للمواد بالدخول إلا إذا كانت «على لائحات الممنوعات»، مشيراً إلى أن ذلك سيؤدي إلى إدخال المواد الضرورية للحياة اليومية، واصفاً ذلك بالخطوة الكبيرة والمهمة.
بدوره، أعرب رئيس الشاباك، يوفال ديسكين، عن معارضته لأي محاولة لرفع الحصار البحري على قطاع غزة، فيما دعا الوزير إسحاق هرتسوغ إلى رفع الحصار الذي «عفا عليه الزمن، ولم يعد من الممكن تطبيقه في المناخ الدولي والدبلوماسي الحالي».
وأصدر مكتب رئيس الوزراء بياناً أعلن فيه أن المواقف التي أطلقها وزير المواصلات يسرائيل كاتس، بشأن التحلل التام من المسؤولية عن قطاع غزة، لا يمثّل سوى موقفه الشخصي، وأكد أن الحكومة لم تتخذ أي قرار في هذا الخصوص.
يُشار إلى أن كاتس كلّفه نتنياهو ببلورة خطة ينظّم فيها انتقال البضائع إلى قطاع غزة، انسجاماً مع السياسة الجديدة التي ستحدّدها الحكومة.
في هذا الوقت، أعلن مصدر فلسطيني مسؤول أن إسرائيل سمحت للمرة الأولى منذ فرض الحصار على قطاع غزة، قبل أربع سنوات، بدخول الأدوات المنزلية.
وقال رئيس لجنة تنسيق دخول البضائع التابعة للسلطة الفلسطينية، رائد فتوح، «إن إسرائيل سمحت بإدخال الأدوات المنزلية، وخاصة أدوات المطبخ، إلى قطاع غزة، حيث من المقرر إدخال 8 شاحنات عبر معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة». وأوضح «أن عدد السلع المسموح بإدخالها الآن عبر إسرائيل هو 140 سلعة فقط من أصل أربعة آلاف سلعة، وطالبنا الجانب الإسرائيلي بزيادة عدد السلع المسموح بإدخالها إلى القطاع».
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن وزير الدفاع إيهود باراك شدد أمام نتنياهو، خلال مداولات السباعية الوزارية، على ضرورة أن تتقدم إسرائيل في الأشهر القليلة المقبلة بـ«مبادرة سياسية جريئة» من أجل الخروج من العزلة الدولية التي وقعت فيها في السنة الأخيرة. وبحسب مصدر سياسي رفيع المستوى، فقد تحدّث باراك أمام نتنياهو، خلال مداولات السباعية التي جرت بعد أحداث السفينة التركية، عن «المس الشديد بالمكانة الدولية لإسرائيل»، مشيراً إلى أن «الاصطفاف الدولي في وجه إسرائيل يبرز الحاجة إلى ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لا سبيل إلى ترميم العلاقات معها من دون عرض خطة سياسية تتناول المسائل الجوهرية في التسوية الدائمة مع الفلسطينيين».
واستغل باراك الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل في أعقاب أحداث الأسطول البحري، مشيراً إلى أن دعم الرئيس باراك أوباما هو الذي منع حتى الآن تأليف لجنة تحقيق دولية، الأمر الذي يكشف عن المدى الذي يتعيّن على إسرائيل أن تساعد فيه الولايات المتحدة في دفع المسيرة السياسية إلى الأمام. وأكد وزير الدفاع أنه «إذا تضرّرت مكانة الولايات المتحدة في العالم أكثر من ذلك، فإن إسرائيل ستعاني جرّاء ذلك».
وحاول باراك إقناع وزراء السباعية بالقول إن «المبادرة السياسية ستحطم العزلة وستمنع ظواهر مثل الأساطيل إلى غزة والتحقيقات الدولية»، لافتاً إلى أن «الحكومات في إسرائيل امتلكت حرية العمل العسكري فقط لأنها قادت سياقات سياسية»، مؤكداً ضرورة التفكير في البديل لطرح خطة سياسية، والمعنى الذي ينطوي عليه استمرار الوضع القائم، والذي سيؤدي فقط إلى ازدياد العزلة الدولية لإسرائيل.
لكنّ «هآرتس» رأت أن أحد أسباب محاولات باراك إقناع نتنياهو بالمبادرة السياسية هو الضغوط التي تتزايد عليه من داخل حزب «العمل»، ودعوته إلى مراجعة الموقف من المشاركة في الحكومة إذا استمر الجمود السياسي.
وأكد مصدر سياسي رفيع المستوى أن باراك لم يوجّه إنذاراً إلى نتنياهو، خلال منتدى السباعية، بالانسحاب من الحكومة، إلا أنه أوضح في محادثات أخرى أنه لم يبقَ زمن كثير لعرض مبادرة سياسية إسرائيلية، واصفاً الأشهر الستة المقبلة بأنها ستكون حرجة، في إشارة إلى موعد انتهاء تجميد البناء في المستوطنات، وانتخابات الكونغرس الأميركي.
ويعتقد باراك، بحسب «هآرتس»، أنه يتعيّن على إسرائيل اتخاذ قرار سياسي حاسم يؤدي أيضاً إلى تغيير في تركيبة الحكومة، بالتزامن مع إعلان مبادرة سياسية.


جريمة «أسطول الحريّة»... واللاعقاب
فراس خطيب
لجنة «فحص» عملية السيطرة على «أسطول الحرية» التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي خلاصة «مؤامرة دبلوماسية» بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا اعتادت «ديموقراطيات العالم» على تأليف لجان تحقيق أو فحص لاستخلاص العبر والكشف عن عطب ما ترسّب في قعر المنظومات، فإنّ اللجنة الإسرائيلية المستحدثة، بتركيبتها الحالية وسياقها السياسي، هي الوصفة الأكيدة لإحباط أي محاولة لإظهار حقائق تكشف من وراء الحصار على غزّة والسيطرة على سفينة «مرمرة». فالدولة التي توزّع أوسمة شرف على جنودها بعد عمليتها العسكرية التي صدمت العالم، لا يمكنها أن تكون على قناعة بأنّ هناك مكاناً لمحاسبة ذاتها.
رئيس اللجنة الإسرائيلية «المستحدثة»، يعكوف تيلكر، ولد قبل 75 عاماً، وهو قاض متقاعد من المحكمة الإسرائيلية العليا لم يترك أي بصمة تذكر في حياته القضائية. من يعرفه يقول إنه يحمل مواقف «رمادية» و«ضبابية». لمّح في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أنه ليس من روّاد تقديم التوصيات ضد أشخاص (ماذا إذًا؟)، ولا ضد مسؤولين. بعد عملية السيطرة على «مرمرة» قال إنّه لا مناص من تأليف لجنة تحقيق رسمية، لكنّه ترأس لجنةً لا هي رسمية ولا هي حكومية. تضم اللجنة ـــــ التي لا يمتلك رئيسها أي خبرة في مثل هذه اللجان ـــــ عضوين إسرائيليين، أولهما اللواء المتقاعد عاموس حوريف (86 عاماً) والخبير في القانون الدولي شبتاي روزين (93 عاماً). الاثنان يحظيان بتقدير إسرائيلي، لكنّ المعلق في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنايع، أشار إلى سنّهم المتقدمة بقوله «خسارة أنّ تعيينهما جاء بتأخير 30 عاماً». كذلك تضم اللجنة مراقبَين أجنبيين هما الخبير في القانون الدولي، الكندي كين ويتكين، والإيرلندي ديفيد تريمبل الحائز جائزة نوبل للسلام والمنضم أخيراً إلى جمعية «أعزّاء إسرائيل» وصديق شمعون بيريز الشخصي. اللجنة ممنوعة من التحقيق مع عسكريين، ولا تستطيع إلزام شاهد بالمثول أمامها. كما أنها ممنوعة من نقل مستندات بحوزتها إلى سلطات فرض القانون. ولا حق للمراقبين الدوليين بالتصويت على أي قرار يتخذ. والأهم من ذلك أن تيلكر مخوّل بعدم إطلاع المراقبين على مستندات معيّنة إذا ما تبيّن أن انكشافهم عليها قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بـ«أمن الدولة».
ولذلك، يمكن القول إن اللجنة المذكورة هي لجنة «فحص» وسطية وهلاميّة وحالة قائمة بحد ذاتها، لن تجد لجاناً كثيرة تشبهها دولياً ولا حتى إسرائيلياً. وزير الدفاع إيهود باراك، الرجل الأقوى في الحكومة الإسرائيلية، الذي حمّل ركّاب السفينة مسؤولية قتلهم، ضبط إيقاع اللجنة الفارغ قبل تأليفها.
الإسرائيليون، مجتمعاً وحكومة، ليسوا معنيين أصلاً بهذه اللجنة. فحين لا تقع خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي لا يرى الإسرائيليون حاجةً إلى لجنة تحقّق أو تفحص في خسارة الآخرين. وليس صدفة أن شعبية وزير الخارجية، المرفوض دولياً، افيغدور ليبرمان، تصاعدت بعد العملية، كما أنّ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأكثر تخبطاً والأقل فعلاً منذ نكبة 1948، يحظى هو اليوم بالشعبية الأكبر من بين السياسيين.
مع مرور السنين، تألّفت في إسرائيل لجان تحقيق رسمية وحكومية حققت غالبيتها في «الإخفاق الإسرائيلي» الناجم عن «الخسارة الإسرائيلية». في عام 1973، أوصت لجنة «أغرانات» بعزل رئيس الاستخبارات العسكرية ايلي زعيرا وقائد هيئة الأركان دافيد العيزر. وعلى الرغم من أنها لم توص بإقالة رئيسة الوزراء، إلا أنّ غولدا مائير، وضعت حدّاً لحياتها السياسية وسلّمت مفاتيح مكتبها ومضت. وفي عام 1982 أوصت «لجنة كاهن» بإقالة وزير الدفاع أرييل شارون في أعقاب مجزرة صبرا وشاتيلا. وفي عام 2006 تألفت اللجنة الحكومية «فينوغراد» في أعقاب الإخفاق الإسرائيلي في لبنان، ورغم أنّها لم تحمّل المسؤولين الإسرائيليين مسؤولية مباشرة عن الإخفاق، إلا أنّ قائد هيئة الأركان دان حالوتس استقال مباشرة، ليليه وزير الدفاع عامير بيرتس، ولتنتهي حياة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت نتيجة الحرب ولكن بطريقة غير مباشرة.
إلا أن لجنة «تيلكر» لا تشبه أي لجنة مذكورة لأسباب عديدة: لا ضغط شعبياً إسرائيلياً لتأليفها، لا خسارات إسرائيلية تستدعي التحقيق (بنظر الإسرائيليين) وربما أنّ المجتمع الإسرائيلي وحكومته يعيشان في غيتو غير قابل للمساءلة، ويعتقدون أكثر من أي لجنة مضت أنهم على حق، والعالم كله مخطئ.
لجنة «تيلكر» ستقدّم أطروحة شبه أكاديمية على حدث هزّ العالم. لن تتخذ خطوات ضد المسؤولين الإسرائيليين ولن تسعف الضحايا من مأساتهم، علاوةً على أن من أخطر ما يمكن فعله اليوم هو إخضاع حصار غزة لسؤال ما إذا كان قانونياً أو لا من قبل لجنة تحقيق إسرائيلية أو دولية. صحيح أنّ أحداً لا يعوّل على اللجنة، لكن في الوقت نفسه ثمة ضرورة لعدم التعويل على لجنة تحقيق دولية ترى دائماً ضرورة في تحميل الضحية أيضاً مسؤولية (ولو صغرى) لإرضاء «الموضوعية الدولية»،
ليبقى البديل هو الضغط على المجتمع الدولي لإنهاء الحصار. فالمشاهد في غزة، وخصوصاً بعد لجنة «غولدستون» لا تحتمل لجان تحقيق أخرى.