غزة | «لدينا أرشيف كامل لكل الأحاديث المتبادلة بين الشهداء السبعة ومركز قيادة العملية، خلال اقتحامهم موقع زيكيم العسكري»، قال قيادي في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية، لحركة «حماس». وأضاف في حديث إلى «الأخبار»، إن «ما بقي عالقاً في ذهني هو طريقة حديثهم... لقد كانوا متحمسين كأنهم كانوا ذاهبين في رحلة، لا لتنفيذ عملية، مع أنهم كانوا يدركون أن احتمال عودتهم منها شبه معدوم».
صمت القيادي للحظات، ثم أكمل واصفاً سرد العملية البحرية التي نفذتها «القسام» في مطلع الحرب الإسرائيلية العام الماضي على غزة: «أذكر أن الشهيد محمد أبو دية، حدثنا خلال الاشتباك، ليؤكد أن جنود الاحتلال مش ها الاشي، وأضاف الشهيد ساخراً باللهجة الغزاوية: والله لنفرجيكو فيهم!». يؤكد الرجل أن «القسام» لم تقدم سوى جزء محدود من التفاصيل المتعلقة بالعملية التي جرت في الثامن من تموز (أول أيام الحرب)، لأننا «لا نريد أن نحرق جميع أوراقنا، كل شيء سيُعلَن في أوانه، وسنكشف عما لدينا بالتقسيط، وفي الوقت المناسب، وبما يخدم مصلحة المقاومة».
وعما مضى عرضه، أكد أن «الصورة التي قدمتها المقاومة الفلسطينية خلال العدوان الأخير مشرفة للغاية، بل هي سابقة في العمل العسكري الفلسطيني المقاوم، وخاصة أبطال عملية زيكيم». وتابع: «مهما حاول الاحتلال تزييف الحقائق، فإننا نعرف ما جرى ونمتلك الأرشيف الكامل».
أما السؤال الذي لا يزال قائماً: كيف تمكن عناصر «القسام» من التحضير وتنفيذ العملية من دون رصدهم، خاصة أن إعداد رجال «الكوماندوس البحري» أو «الضفادع البشرية» في منطقة كغزة أمر شديد الصعوبة، ويحتاج إلى معدات خاصة، كبدلات الغوص الخاصة التي تقيهم الضغط، بالإضافة إلى أسلحة لا تفسدها المياه، وتسمح لهم بقطع المسافات طويلة، دون أن تشكل عبئاً عليهم؟
الأهم، أن العدو الذي سُربت من حواسيبه بعض مقاطع للعملية بعد الحرب، يدرك أيضاً، أن التنفيذ بحاجة إلى ما هو أهم من المعدات بكثير، وهو الخبرة البشرية؛ فالتعامل مع المعدات وتدريب المقاتلين على القتال تحت الماء، وقطع مسافات طويلة دون الخروج من البحر، وتحت ظروف مختلفة، كاضطراب الأحوال الجوية على سبيل المثال، وأيضاً كيفية التفاهم والتواصل في ما بينهم في المياه بإشارات أيدي خاصة، وتلافي منظومة المراقبة الإسرائيلية التي تعد من أفضل المنظومات عالمياً... كلها بحاجة إلى خبرات خاصة.


حتى الآن، ترفض «كتائب القسام» الحديث عن هذه النقطة بصراحة. وكل ما قاله القيادي أنه برغم الحصار الشديد على غزة ونقص الإمكانات المختلفة، نجحت الكتائب في تدريب «هذه النخبة من الرجال»، الذين أظهرت كاميرات المراقبة في قاعدة «زيكيم» البحرية، مدى شجاعتهم.
«هناك نقطة أخرى»، قال القيادي، «الذين نفذوا العملية من نخبة الكوماندوس البحري للقسام عددهم ثمانية وليسوا سبعة كما أشيع، ولقد نجا أحدهم وعاد إلينا». وأضاف: «هذا بحد ذاته انتصار آخر».
وبرغم ما كشفه جيش العدو من تفاصيل، فإن «القسام» لا تزال تحيط العملية بستار كثيف من السرية، برغم إعلانها مسبقاً أن أحد عناصرها استطلع موقع العملية ولم تتمكن وسائل المراقبة من رصده، بل تمكن من العودة سالماً.
إعلامياً، تركت «القسام» لإسرائيل أن تقدم روايتها لما جرى إلى العالم. حينذاك قالت وسائل إعلام العدو إنه قُضيَ على منفذي العملية بمجرد خروجهم من البحر. مرت هذه الرواية والمشاهد التي عرضها الاحتلال لاستهداف المقاومين جاءت أيضاً تحت مقص الرقيب العسكري الإسرائيلي، الذي أخفى الإخفاق الأمني والعسكري. لكن المقاطع اللاحقة بينت أن مقاتلي «القسام» نفذوا التعليمات بحرفية عالية ودون أي ارتباك أو خوف، في مواجهة آليات العدو ودبابته، ومن مسافة الصفر.
يكمل القيادي القسامي: «لا تزال في جعبتنا الكثير من التفاصيل التي لا نود الحديث عنها الآن، والأمر غير محصور بعملية زيكيم فحسب، بل على صعيد عدد من العمليات الأخرى التي نفذت في الحرب». ويقول: «كشفنا عن جزء محدود من تفاصيل العملية بما تسمح به الظروف الحالية. وسيأتي يوم، عاجلاً أو آجلاً، ليعرف القاصي والداني أن كل ما قدم من معلومات لم يكن سوى جزء محدود».