اسمه تجمع الوادي. وحين يقال تجمع، يعني ذلك أن الأونروا لم تعترف به مخيماً. و«التجمع» الذي أفرزته الحرب الأهلية، مهَدّدة بيوته بالسقوط بسبب طبيعة الأرض الترابية التي ارتجلت فوقها البيوت
سوزان هاشم
صعبةٌ هي الطريق إلى «الوادي». ليس لأن هذا التجمع معزول عن غيره من التجمعات السكنية المحيطة بمدينة صيدا فحسب، بل بسبب طريقه «غير الآمن سلوكها»، لشدّة انحدارها من جهة وبسبب نوعية الأرض الترابية، التي تهدد الزائرين بخطر الانزلاق المحتّم. هكذا يصبح تحصيل حاصل أن يحظر دخول السيارات إلى هنا، تحت طائلة انزلاقها إلى أسفل الوادي، ما يضطر السكان إلى السير على الأقدام لمسافة طويلة للوصول إلى منازلهم، أو للخروج منها.
يقع هذا التجمع غير المعترف به رسمياً من وكالة الأونروا، في الجهة الجنوبية من مخيم المية ومية في منطقة صيدا. وهو يضم نحو 400 لاجئ فلسطيني موزعين على 70 منزلاً، يتقاسمون جميعهم البؤس عينه ويعيشون حالة اجتماعية تشبه في تدهورها، اسم مكان التجمع حيث يقطنون. أما تاريخ تكوّن «تجمّع الوادي» وأسبابه، فتعود إلى الحرب الأهلية اللبنانية. يروي أمين سر اللجان الشعبية في مخيم المية ومية أبو خضر الدنان، أنه إبّان الحرب الأهلية الأخيرة، أحرق الجزء الشمالي الشرقي من مخيم الميّة وميّة الملاصق لبلدة الميّة وميّة، بحيث طرد أبناؤه وشردوا من المخيم بعدما تم الاستيلاء على هذه الأرض وما عليها، لا سيّما المدرسة التابعة لوكالة الأنروا، «فاضطر هؤلاء إلى الانتقال بعيداً إلى الوادي خوفاً من القتل، وهكذا حمل التجمع اسم المكان حيث استقر هؤلاء فيه، وقد مثّل هذا المكان الآمن نسبياً ملاذاً لغيرهم من المهجّرين من مخيمات أخرى كانت هدفاً لحقد بعض الميليشيات الحزبية اللبنانية سابقاً، ولا سيّما من مخيم تل الزعتر والنبطية وغيرهما».
السيول الموحلة تهدد بجرف المنازل وسكانها إلى أعماق الوادي
هكذا، «دحرجت» الميليشيات هؤلاء فاستقروا في «الوادي» في منازل مسقوفة بمعظمها من الزينكو، ولا يمكن تشبيهها إلا بعلب السردين. بيد أن المشكلة لا تقف هنا، وخصوصاً أنها مشتركة مع الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فالمعاناة الحقيقية تبدأ من صعوبة المواصلات فيه، في ظلّ تعذّر دخول السيارات نظراً لبدائية طرقه الوعرة التي تفتقر إلى أي من أعمال التأهيل والتعبيد من جهة، ومن جهة أخرى لنوعية الأرض الترابية ـــــ الكلسية، فهنا «إذا واحد تعرّض لأي اشي بيموت قبل ما يوصّل حتى لخارج التجمّع»، على حد قول آمنة أبو ليلا، التي تستفيض في شرح ما يعانونه بقولها إن «البهدلة» تلاحقهم أينما حلّوا، دامغةً ثيابهم بآثار الطريق الترابية البيضاء: غباراً في الصيف ووحلاً في الشتاءّ. ولعلّ أكثر الفئات تضرراً بحسب تعبير أبو ليلا «هم تلامذة المدارس الذين يتوجهون يومياً سيراً على الأقدام إلى خارج المخيّم حاملين حقائبهم المدرسية إذ يتعذر دخول الباصات إليه، وغالباً ما تسجّل في صفوفهم حوادث انزلاق لا سيّما في فصل الشتاء»، ولعل ابنتها شيماء هي واحدة من هؤلاء، التي لم تنجُ من «فخ الوحول»، فأصيبت بكسر في يدها، وهو أمر غالباً ما يتكرر هنا.
إلى ذلك، فإن المشكلة الأساسية هي «أن الموقع الجغرافي لهذا التجمع السكاني يجعل مياه الشتاء المتأتية من الأماكن التي تعلو التجمّع، تتوجه إليه، مكونة مع نوعية الأرض الترابية سيولاً موحلة باتت خطراً حقيقياً على المنازل، مهددةً إياها بالانهيار، إذ بدأنا نلاحظ وجود فراغات شاسعة تحت بعض المنازل في جوانبها»، بحسب ما يشير أبو خضر الدنان؛ متخوفاً من حتمية سقوطها مع مرور الوقت في ظل غياب أي آلية للحل في الوقت الحالي.
إلى حينها «ما إلنا معين إلّا رب العالمين»، تقول أمل الحاج، المنهمكة بأعمال التنظيف في منزلها التي «لا تنتهي هنا» بسبب الغبار والوحول. هذا المنزل الصغير الذي تخترق الشقوق كل أرجائه: من سقفه المصنوع من الزينكو وجدرانه الإسمنتية بحيث تتسرب مياه الأمطار، إلى أرضه حيث تعشش فيها الحشرات والقوارض. وبالرغم من كل ذلك «مستورة وما حدا بضايقنا هون»، تقول ذلك ربما بعدما عانت ما عانته من قسوة التهجير من شاتيلا إلى عين الحلوة، المية ومية، إلى أن حطّت رحالها والعائلة في رحاب «الوادي». ويلاحظ أن هذا التجمع معزول بكل ما للكلمة من معنى. لا جغرافياً فقط، بل خدماتياً أيضاً. ففضلاً عن أنه خارج إطار خدمات الأنروا، لكونه غير معترف به رسمياً، فهو أيضاً بمنأى عن أي مساعدات أو مشاريع غالباً ما تقدمها الجمعيات أو المنظمات الإنسانية إلى مثل هذه التجمعات. أما السبب، فبحسب تعبير الدنان، «الإشكالية التي تثيرها ملكية العقار حيث التجمّع». هكذا، توقف مشروع تأهيل الطريق، الذي كان مزمعاً إنجازه على يد إحدى الجمعيات، إذ تراجعت عن وعودها بمجرّد تيقنها من وضعية الملكية. و«الإشكالية هي أن البعض يرى هذا العقار مشاعاً، فيما تقول روايات أخرى إنه يعود لشخص يدعى أبو ميشال، تخلى عنه لمصلحة اللاجئين، متفقاً معهم على أن يستردها من دون دفع بدل خلو، وذلك بمجرد إيجاد حلّ لوضعهم» كما يقول. لكن حل هذا الوضع، بحسب سكان التجمع «أكبر منا بكتير»، لا سيّما أنه مرتبط أساساً بحل مسألة اللاجئين الفلسطينيين نهائياً، وهي مسألة مرتبطة بدورها باللعبة السياسية الدولية. ومهما يكن، الشتاء على الأبواب، وبالانتظار، يبقى مصير 70 منزلاً معلّقاً في الفراغ، على حافة الوادي.


يفتقر التجمع إلى بنية تحتية سليمة، لا سيّما من ناحية الطرقات. وحال التجمع كحال باقي التجمعات التي لا تعترف بها وكالة الأنروا. من هنا يسأل أمين سر اللجان الشعبية (أبو خضر) الدنان: «ما ذنب هؤلاء كي يحرموا من شبكة البنى التحتية؟ فهم مجرد مهجّرين، لجأوا قسراً إلى هنا! وهل هذا القانون وجد ذريعة لتتبرأ من خلاله الأنروا من مسؤولياتها تجاه سبب وجودها، أي غوث اللاجئين؟». ولفت إلى أن اللجان الشعبية تحاول سدّ ثغرة غياب الوكالة، عبر «مبادرتها لإنشاء شبكتين: واحدة للصرف الصحي وأخرى لمياه الشفة، وربطتهما بشبكة مخيم الميّة وميّة».