انتهى اليوم العراقي المضني أمس إلى انتخاب أسامة النجيفي، الحليف القوي لسوريا، رئيساً للبرلمان، وجلال الطالباني المعروف بعلاقته الوثيقة مع إيران رئيساً للجمهورية، وتكليف نوري المالكي، حيث تقاطعت مصالح طهران وواشنطن، رئيساً للحكومة الجديدة، في خلال جلسة برلمانية مثيرة أجّلت أكثر من مرة إلى أن التأمت عند السادسة مساءً. أما إياد علاوي، «الحصان السعودي» في المعركة الإقليمية الدائرة في بغداد، فاضطر في نهاية الأمر للقبول بمنصب، هو أشبه بجائزة ترضية، إن لم يكن اختراعاً غير واضح المعالم ولا الحدود، وذلك بعد تطمينات تلقاها من الرئيس باراك أوباما شخصياً. كذلك كانت حال «المجلس الإسلامي الأعلى»، الذي خرج على ما يبدو «من المونة بلا حمُّص»، بعد رفض التيار الصدري ومعه حزب الدعوة كل المحاولات التي كانت ترمي إلى إغرائه بنيابة رئاسة البرلمان، علّها تعيده إلى موقعه الطبيعي.
وانتُخب النجيفي رئيساً للبرلمان بـ227 صوتاً من أصل 295 نائباً حضروا الجلسة، علماً بأنه لم يترشح أحد مقابله، وذلك وسط تبادل الابتسامات العريضة بين المتخاصمين الجالسين كتفاً إلى كتف: علاوي على يسار المالكي الذي يسنده الطالباني من على يمينه بمعية طارق الهاشمي ومسعود البرزاني. كذلك انتُخب نائباه، القيادي في التيار الصدري قصي عبد الوهاب، والكردي عارف طيفور.
روّجت فضائية «العربية» للمنصب الجديد لعلاوي على أنه قد يكون أهم من رئاسة الحكومة
وبعد دقائق من كلمة النجيفي، انسحب عدد من قياديي القائمة «العراقية»، في مقدمتهم علاوي، إلى كافتيريا البرلمان، واتفقوا على سيناريو الدقائق المقبلة. وما أن خرجوا حتى طالبوا بإدراج 4 بنود من خارج جدول الأعمال على الجلسة شرطاً لانتخاب رئيس الجمهورية. وهذه البنود هي:
1ـــــ إلغاء قرارات الاجتثاث بحق عدد من قياديي هذه القائمة، في مقدمتهم راسم العوادي وظافر العاني وصالح المطلق، المرشح لتولي وزارة الخارجية في الحكومة المقبلة، وفق الاتفاق المبرم مع الكتل الأخرى. 2ـــــ إقرار قانون استحداث «المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية». 3ـــــ إقرار قانون للعفو عن المعتقلين. 4ـــــ إقرار قانون للمصالحة الوطنية.
عندها، قرأ النجيفي نصّ الاتفاق الموقع بين قادة الكتل السياسية حول النقاط الأربع، وطرح التصويت على إدراجه في جدول أعمال جلسة البرلمان، فلم ينل هذا الطلب إلا تأييد 58 نائباً من أصل النواب الـ295 الحاضرين. ووسط حالة الفوضى التي سيطرت على الوضع، طُرح التصويت على المرشح لرئاسة الجمهورية جلال الطالباني، فانسحب نحو 60 من نواب «العراقية» من الجلسة، تبعهم النجيفي بسبب «انعدام الثقة بين قادة الكتل حول ما اتفق عليه»، على حد تعبيره. انسحاب جزئي كان الأكثر تعبيراً عن انقسام «العراقية»، التي ساهم نحو ثلاثين من أعضائها في تأمين النصاب لاستمرار الجلسة بـ235 نائباً.
وفي غياب رئيس البرلمان، تولّى قصي عبد الوهاب تنظيم الاقتراع على اسم الرئيس، بينما كان المتحدث باسم «العراقية»، حيدر الملا، يلمّح إلى أن كتلته ستقاطع العملية السياسية بسبب «عدم التزام الاتفاق المبرم»، وهو ما أكّدت «العراقية» أنه مكتوب بوثيقة وقّعها المالكي شخصياً في نهاية الاجتماعات التي انتهت أول من أمس في إطار مبادرة البرزاني.
وبدا أنّ لهذه الوثيقة قصّة. فقد رأت «العراقية» أنّ الاتفاق المثبَّت بالوثيقة المكتوبة ينص على إقرار مضامينها الأربعة في الجلسة البرلمانية يوم أمس. وهنا كان الخلاف؛ فريق رأى أن مجرد قراءتها في البرلمان يكفي لعدّها ملزمة، فيما رأى فريق آخر أن المطلوب لذلك التصويت عليها في البرلمان. قياديو «التحالف الوطني» أوضحوا أن الاتفاق ينص على تطبيق هذا الاتفاق وفق الآليات القانونية المطلوبة، ووفقاً لما ينص عليه الدستور، مشيرين إلى أن موضوع الاجتثاث من صلاحيات الحكومة المقبلة.
وفجأة، عاد النجيفي لترؤس الجلسة، وقرر إعادة التصويت لرئاسة الطالباني «حتى لا يكون هناك أي شك بالنتائج ومجال لطعن دستوري». وهكذا، انتُخب الطالباني الذي أقسم اليمين الدستورية وألقى كلمة عمومية يدل مضمونها على أنها كُتبَت قبل اندلاع الخلاف بين الأطراف. وفي هذه الكلمة، كلف المالكي بتأليف الحكومة المقبلة.
وبحسب اتفاق تقاسم السلطة نفسه، يجدر بالطالباني تسمية طارق الهاشمي نائباً له، على أن يكون زميل الهاشمي في «العراقية»، رافع العيساوي، نائباً لرئيس الوزراء مجدداً، والمطلك وزيراً للخارجية.
أقنع أوباما علاوي بتسلم منصبه لقاء تعهد شخصي حول صلاحياته وموازنته
يبقى علاوي ومنصبه الجديد، الذي لم يتسلمه بعد، والذي بدت فضائية «العربية» السعودية متحمسة للحديث عن أهميته «التي توازي صلاحيات رئيس الوزراء وربما تتجاوزها». ولعل أبرز ما كشفت عنه هذه الفضائية اتصال هاتفي أجراه أوباما بعلاوي «تعهد له (الرئيس الأميركي في خلاله) فيه إقرار قانون المجلس وصلاحياته في غضون 15 يوماً، على أن تكون صلاحياته تنفيذية، تضمن مواضيع قانون المساءلة والعدالة والمصالحة الوطنية وتخصيص رئيسه بـ100 مستشار وبفوجين رئاسيين (عسكريين) يكونان تحت إمرته».
ولم تكن جلسة أمس وحدها هي الماراتونية، فقد سبقها تأجيل جلسة البرلمان لأربع مرات ريثما حُسمت التفاصيل، خصوصاً هوية النائب الأول لرئيس البرلمان التي رست على قصي عبد الوهاب، بعدما رفض حزب الدعوة (الذي أراد المنصب لخالد العطية) والتيار الصدري (الذي كان يريده بداية لبهاء الأعرجي) تسليمه إلى همام حمودي من المجلس الأعلى.
وكان البرزاني قد عقد مؤتمراً صحافياً صباحياً، على وقع تصفيق البيت الأبيض للاتفاق العراقي، أعلن فيه أنّ الفصائل السياسية الكبرى اتفقت على المرشحين الثلاثة لشغل الرئاسات الثلاث، إضافة إلى إعطاء 8 حقائب وزارية لـ«القائمة العراقية» التي سيرأس زعيمها علاوي «المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية».
وبدا واضحاً إصرار البرزاني على علاوي ليوافق على رئاسة «المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية» المستحدث، و«المخصص لرئيس قائمة العراقية وأرجو أن يتولى هذه المسؤولية لأنها خطيرة». ورداً على سؤال، أشار المسؤول الكردي إلى أنه «يجب أن تتألف الحكومة خلا شهر».
(الأخبار)
المطلق: خرقوا الاتفاق