تونس ــ لليوم الرابع على التوالي، استمرت التظاهرات والاعتقالات في محافظة سيدي بوزيد التونسية، التي شهدت ما يشبه «ثورة فقراء»، بعدما أشعل الجامعي محمد البوعزيز النيران في جسده يوم الجمعة الماضي أمام مقرّ المحافظة احتجاجاً على تعرضه للضرب وسط سوق الغلال والخضر، بعد مصادرة عربته التي يستخدمها لبيع الخضر والفواكه.وعلى أثر الحادثة، تجمّع عدد من أهالي المدينة أمام مقرّ المحافظة، واشتبكوا مع قوات الأمن، لتنطلق بعدها تظاهرات احتجاجية أدت إلى صدامات بين متظاهرين طالبوا بتوفير فرص العمل للشباب، وقوات الأمن. وعمد المحتجون إلى حرق بعض السيارات، فيما حاولت قوات الأمن تفريقهم باستخدام القنابل المسيلة للدموع. وذكر شهود عيان أن طفلة ماتت جرّاء استنشاق الغاز من القنابل.
وتألّفت نتيجة هذه الحادثة «اللجنة الجهوية لمتابعة الأوضاع بسيدي بوزيد» وتضم باحثين جامعيين ونشطاء سياسيين ونقابيين. وأكدت اللجنة، في بيان، أنها ستعمل على «تشخيص المطالب التنموية ومساوئ التسيير الإداري على مستوى المنطقة، باعتبارها السبب المباشر في حال الاحتقان، ووضعها بين يدي السلطات على المستويين المناطقي والوطني». ولفت حافظ الغربي، أحد أعضاء اللجنة، إلى أن قوات الأمن لا تزال منتشرة بكثافة في المنطقة.
من جهة ثانية، أوضح قريب محمد، علي البوعزيز أن «الهدوء يخيم صباح الاثنين (أمس) على مدينة سيدي بوزيد». وأشار إلى أن «قريبه في حالة حرجة، وهو يعاني من حروق من الدرجة الثالثة ويرقد في مستشفى الحروق البالغة في بن عروس في الضاحية الجنوبية للعاصمة» التونسية. وأكد أن «التحرك جاء عفوياً على خلفية الأوضاع الاجتماعية التي تعيشها المنطقة، ولا سيما مشكلة البطالة».
وتحدثت مصادر طبية عن أن وزير الصحة العمومية المنذر الزنايدي يحرص مباشرة على حسن العناية بمحمد، مؤكدةً أن حالته حرجة.
وقد تصدّت السلطات لحركة الاحتجاجات بالقمع والاعتقالات، فشنّت حملة واسعة استهدفت العديد من الشباب على خلفية مشاركتهم في التظاهرات. وأظهرت مقاطع فيديو بثّها مشتركون تونسيون على موقع «فايسبوك» الاجتماعي قوات أمنية وهي تعتقل عدداً من المتظاهرين، وتطارد البعض الآخر الذي رشق سيارات الشرطة بالحجارة. وقد أكدت مصادر اعتقال بعض المتظاهرين إلى جانب فرض طوق أمني حول المدينة.
وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد أوضحت في بيان أن الاحتجاجات اندلعت «إثر إقدام محمد البوعزيز على إضرام النار في جسمه بعدما توجه إلى مقر ولاية (محافظة) سيدي بوزيد للتشكّي والدفاع عن حقه في ممارسة نشاطه كتاجر متجوّل، رغم مؤهلاته الجامعية، لإعالة أسرته الكبيرة العدد (9 أفراد والوالد متوفى) غير أنه قوبل باللامبالاة».
ودعت الرابطة إلى «فتح تحقيق جدّي وعاجل للوقوف على حقيقة هذه المأساة والمسؤولين عنها وللمعالجة الفورية للوضع الاجتماعي في المنطقة وتوفير العمل لطالبيه، وخاصة من حاملي الشهادات العليا».
وفي بيان، دعا الحزب الديموقراطي التقدمي المعارض إلى «إطلاق سبيل كل المعتقلين وإيقاف التتبعات العدلية بحقّهم»، وطالب بـ«فتح حوار مباشر مع ممثلي الشباب العاطل من العمل والهيئات المدنية بهدف وضع خطة تنموية تراعي التوازن والعدل بين الجهات».
وفيما لم يصدر عن السلطات الرسمية أي موقف إزاء هذه التطورات، رأى الحزب الديموقراطي التقدمي أن تواتر مثل هذه الأحداث في مدينة سيدي بوزيد وغيرها من جهات البلاد «يعبّر عن حالة احتقان شديدة وعن شعور بالظلم والحيف الاجتماعي لا يجد من السلطة الرسمية إلا التجاهل والصدّ».
بدورها، طالبت حركة «التجديد» (الحزب الشيوعي سابقاً) بفكّ الحصار الأمني على مدينة سيدي بوزيد وإطلاق سراح الموقوفين فوراً. ودعت إلى «رفع التعتيم الإعلامي وفتح تحقيق عاجل للوقوف على أسباب هذه المأساة، وإلى محاسبة المسؤولين».
ورأت الحركة أن الآوان حان «لاستخلاص الدروس من مختلف الأحداث التي شهدتها العديد من المناطق التونسية ووضع حد للتعامل الأمني مع التحركات الشعبية المشروعة».
وتتغلغل البطالة والفقر بقوة في محافظة سيدي بوزيد، حيث تبلغ نسبة الفقر 12.8 في المئة، فيما تصل نسبة البطالة بين متخرّجي التعليم العالي للإناث 44 في المئة (النسبة الوطنية 19 في المئة) والذكور 25 في المئة (النسبة الوطنية 13.4 في المئة). ويرى مراقبون أن اندلاع الاضطرابات في تلك المنطقة، بعدما عاشت مناطق أخرى تحركات مشابهة، يدلّ على حدة اللاتوازن في التنمية بين الجهات.
ويقول أحد النقابيين في المنطقة، سليمان الروسي، إن محافظة سيدي بوزيد تتمتع بإمكانيات كبيرة لا تُصرف بالطريقة المناسبة، بحيث تفتقر المنطقة إلى خدمات صحية وإلى بنية أساسية ملائمة لجلب الاستثمارات الصناعية والخدماتية.