يرتفع الجدل السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة، حول إصرار البيت الأبيض على إعادة تشغيل الاقتصاد بحلول الأول من أيار المقبل، في مقابل التحذيرات التي تؤكد ضرورة «العودة المتدرجة». يأتي ذلك في وقت تسجّل فيه البلاد أعلى عدد إصابات في العالم، وارتفاعاً في حالات الوفاة اليومية جراء فيروس «كورونا».ترامب، كان قد أعلن أكثر من مرة أنه «متحمس» لرفع قيود البقاء في المنزل، وإعادة فتح الأعمال التجارية والشركات «في وقت قريب». وشدد أمس على أن «بعض التقارير الكاذبة تشير إلى أن هذا القرار هو قرار حكام الولايات، وليس قرار الرئيس والحكومة الفيدرالية. وهذا ليس صحيحاً».
اندفاع ترامب قوبل بتحذيرات من مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، الدكتور أنتوني فاوتشي، الذي رأى أن «رفع القيود يجب أن يكون تدريجياً لمنع ظهور إصابات جديدة». وأضاف في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الأميركية، إن «النماذج تظهر أن رفع جميع الإجراءات في آن واحد وفي جميع أنحاء البلاد، قد يؤدي إلى انتعاش للفيروس في شهر تموز المقبل».
لا يعارض فاوتشي فكرة فتح الاقتصاد بالمطلق، لكنه يرى أن تكون تدريجية وليس على المستوى الوطني؛ وأن تجرى بناءً على معايير واختبارات فحص الفيروس. إذ اعتبر أن مسؤولي الولايات والمدن «سوف يحتاجون إلى الاسترشاد بنتائج الاختبارات، ومؤشرات الخطر على المستوى المحلي».
ومنذ السبت، أصبحت الولايات المتحدة، الأكثر تضرراً في العالم سواء من حيث عدد الإصابات أو الوفيات. واليوم، سجلت الولايات المتحدة، وفق إحصاء لوكالة «رويترز»، أكثر من 22 ألف إصابة جديدة؛ وسُجّل نحو ألفي وفاة يومياً، على مدى الأيام الأربعة الماضية، وكان أكبر عدد من الوفيات في مدينة نيويورك وحولها.
الوباء الذي فرض نفسه على كل جوانب الحياة الأميركية أسفر عن خسائر اقتصادية مؤلمة، وحرم أكثر من 16 مليون أميركي من العمل، ما أدى إلى ممارسة ضغوط من قبل أصحاب الأعمال والشركات والمصانع لإعادة فتح البلاد. ومع الخوف من الخسائر الصحية إن تم رفع القيود، فإن الملايين يخشون فقدان وظائفهم مع استمرار الإغلاق، وكل ذلك قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني المقبل.
حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، الذي تشهد ولايته أكبر عدد من الإصابات والوفيات، قال إن الجهود المبذولة بدأت تؤتي ثمارها، مشيراً إلى أن منحنى الإصابات الجديدة بدأ يتسطّح. غير أنه أكد حين سُئل عن إعادة فتح الاقتصاد، أن «رفع القيود في الولاية سلاح ذو حدين... لا يمكنك أن تطالب الناس في هذه البلاد بأن يختاروا بين أجورهم وحياتهم».
في مقال نشره موقع مجلة «نيوزويك» الأميركية، اعتبر توم روجرز، أن الولايات المتحدة تواجه «أزمة مزدوجة (الآن) صحية واقتصادية»، مضيفاً إن الأخيرة لن تنتهي قبل حلّ الأزمة الصحية. ولفت روجرز إلى أن إدارة ترامب حاولت منع الشعب الأميركي من التأثر سلباً بانتشار الفيروس، لكيلا يتضرر الاقتصاد. ولذلك «قلّلت عمداً من حجم التهديد الصحي... وعندما أصبح واضحاً أن التأثير على الاقتصاد سيكون غير مسبوق، أدركت أهمية إجراءات الطوارئ التي تقودها الحكومة الفيدرالية». وأوضح روجرز أنه «إذا انهار الاقتصاد، ولم يكن هناك جهد كبير من الحكومة الفيدرالية لإنقاذه، فإن ردة الفعل السياسية ضد إدارة ترامب ستكون غير محدودة».

«خوفاً على العائلة الأميركية»
المبررات الصحية التي تنقض توجهات ترامب، وتحذّر من رفع القيود على المستوى الوطني، دفعت البيت الأبيض إلى اتباع خط جديد. جاء ذلك على لسان المستشار التجاري للبيت الأبيض، بيتر نافارو، الذي اعتبر أن «الإغلاق الطويل» يمكن أن يؤدي إلى مجموعة واسعة من «الآثار الصحية السلبية» التي «يتجاهلها الخبراء الصحيون في جهودهم لتسوية منحنى الإصابات» على حد تعبيره.
تلك الآثار «التراكمية» ستكون، وفق نافارو، أسوأ من تلك التي قد يسببها «كورونا». لتوضيحها، استذكر نافارو في مقابلة مع «نيويورك تايمز» ما وصف بـ«صدمة الصين» التي ضربت الاقتصاد الأميركي في أوائل الألفية الراهنة. واعتبر (مقتبساً من بحث لديفيد أوتور، في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) أن تلك الصدمة «لم تدمر أكثر من خمسة ملايين وظيفة و70 ألف مصنع فقط؛ بل قتلت عشرات الآلاف من الأميركيين... عبر زيادة معدلات الوفيات المرتبطة بالانتحار وتعاطي جرعات زائدة من المخدرات، والتسمم الكحولي وأمراض الكبد وسرطان الرئة وسوء التغذية والتدخين. إلى جانب تدمير الأسر وارتفاع معدلات الطلاق وانخفاض معدلات الخصوبة». ولفت نافارو إلى أن «صدمة فيروس الصين، الجديدة، قد تسبب أخطاراً مميتة وتهديدات مماثلة للعائلة الأميركية، أكبر من تلك التي أثارتها الصدمة التجارية الصينية».