لا ينفك الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، عن الانتماء إلى بقيّته في الأرض المحتلة، وكذلك الانسجام الكامل مع أعمال المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، الذي ينفذ سياسة «الأرض المحروقة» ضد الأرض والشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
الهدنة لا توقف المقاومة ضد الاحتلال
نحن أبناء الشعب الفلسطيني، نستحق الحياة ونتعاضد في السرّاء والضرّاء، هذا ما يؤكده لـ«الأخبار» المدرّس م. يوسف من مخيم النيرب في محافظة حلب، ويضيف «كلنا في مصير واحد، وكل فلسطيني في الداخل والخارج يؤدي دوره بكل شرف واعتزاز في مواجهتنا ضد المشروع الصهيوني الإحلالي. ومعركة طوفان الأقصى تقرّبنا أكثر من تحقيق التحرير والنصر والعودة، وما مسيرات الغضب واللقاءات الجماهيرية وكل الفعاليات التضامنية في مخيم النيرب وكل المخيمات الفلسطينية إلا خطوات بسيطة على هذا الدرب. وليعلم العدو وحلفاؤه أننا لن نستكين ولن نتراجع عن أهدافنا مهما كانت التضحيات كبيرة».


وفي مخيم «العائدين» في حمص، يعبّر الطاعن في السنّ محمود .ص (90 عاماً) عن تفاؤله بالعودة قريباً إلى منزله في عكا، وهو يتابع أخبار معركة «طوفان الأقصى» في غزة، فيقول: «الله يحيي النشامى رجال المقاومة يلّي رفعوا رؤوسنا، وخلّونا قريبين من العودة إلى بلادنا بعد ما عملوا كل شي بشرّفنا، وصمدوا مع ‘خوتنا وأهلنا في غزة، وما عاد يقدر الاحتلال يفرض شروطه على شعبنا وما راح نستسلم مهما عمل مجازر ودمّر وشرّد. وأنا والله شايف النصر قريب والعودة قريبة إن شاء الله».

مسيرات وتظاهرات.. ولكن
يجب أن لا نكتفي بالمسيرات والتظاهرات واللقاءات السياسية والمهرجانات وبيانات الشجب والاستنكار. فما بعد «طوفان الأقصى» لن يكون كما قبله. هذا ما يؤكده الطالب الجامعي محمد ز. (24 عاماً) من مخيم خان الشيح، ويوضح لـ«الأخبار»: «أنا مستعد إلى جانب متابعة مسيرتي العلمية للانخراط في صفوف المقاومة ضد العدو الصهيوني لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، مع تقديري لكل خطوات التضامن والاحتجاج. وأدعو إلى فتح كل الجبهات أمام الشباب والمقاومين العرب وأحرار العالم وتقديم كل أشكال الدعم العسكري والمادي والمعنوي إلى الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة التي أثبتت اليوم أنها قادرة على الابتكار ومفاجأة العدو وتغيير قواعد الاشتباك لمصلحة الشعب الفلسطيني والأمة العربية».

ويتابع محمد أن «العدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية وكل فلسطين لم يتوقف ولن ينتهي عند هذه المرحلة، فالصهاينة ينكثون المعاهدات والاتفاقات والهدن لأن السلام والاحتلال نقيضان لا يمكنهما أن يلتقيا، لذلك يجب أن تستمر معركة «طوفان الأقصى»، ردّاً على الاعتداءات والجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني والمقدسات الفلسطينية».

بدوره، عبد الرحمن صواف (40 عاماً) من مخيم الرمل في اللاذقية يقول: «كلنا منخرطون في التضامن مع أهلنا في غزة وفلسطين، وسنواصل دعمنا لهم بكل السبل ولن تتوقف مسيرة الكفاح والمقاومة».

ما أخذ بالقوة لا يستردّ بغيرها
لم تختلف مشاهد التضامن في مخيم السيدة زينب عن غيرها في مخيمات اللجوء الفلسطيني في سوريا. فالسيدة أمل ظاهر (20 عاماً) تعبّر عن موقفها إزاء ما يجري «إن ما نشهده اليوم من الوقفات التضامنية في سوريا وفي المخيمات الفلسطينية وفي العالم أجمع، غيّر المسار السياسي للقضية، وأعاد للشعب الفلسطيني عزته ورفع من كرامته، لكن الجانب المحزن هو الجرائم والقصف والإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الكبار والصغار، وقطع كل سبل العيش من ماء وكهرباء وإنترنت، عدا عن قصف المشافي والمدارس وذلك من أهداف الاحتلال أن يقضي على غزة».

أساليب تضامن مختلفة
ليس بالتظاهرات فقط يتضامنون، فتتوافق السيدة أمل مع محمد ز. وتضيف: «برأيي هذه الوقفات التضامنية غير كافية، فلا بد من أن نفعل شيئاً على أرض الواقع من تيسير الأمور وفتح الحدود لوصول المساعدات الإنسانية، وإجبار الاحتلال على إيقاف استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً من قبل منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة».
مثلهما تؤكد الممرضة وهيبة فلاح (45 عاماً)، من مخيم السيدة زينب، أن المقاومة المسلحة هي الأساس، وتضيف «أنا برأيي إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن ما نشهده اليوم من هذه الوقفات التضامنية في العالم أجمع أعاد للقضية الفلسطينية مركزيتها، وكسر شوكة العدو الإسرائيلي، وأكد مجدداً أن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية».
وتشير فلاح إلى أن المشاركة في الوقفات التضامنية، من جانب هي تنديد بالقصف والجرائم التي ترتكب بحق المدنيين، وإعلان عن «التأييد الكامل لموقف محور المقاومة من القضية الفلسطينية». وأوضحت أن الهتافات التي يطلقها شباب المدن والريف والمخيمات والأحزاب، «تسقط تسقط إسرائيل» و«بالروح وبالدم نفديكِ يا فلسطين، وبالروح وبالدم نفديكِ يا غزة» هي تعبير عن الانتماء والروح النضالية لدى الشعوب العربية.

العالم كلّه يتعلم من غزة
محمود موسى (30 عاماً)، من مخيم خان دنون، يرى أن «العالم كله يتعلم اليوم من ‎مدرسة غزة العِبَر. واليقظة التي تحصل اليوم بسبب أحداث غزة ليست لأمّتنا الإسلامية فحسب، بل لكثير من المخدوعين في العالم الذين بدأوا يتنبّهون إلى الظلم الشديد الحاصل في الأرض بسبب القوى الغربية. فسبحان الله الذي قسّم بحكمته لأهل غزة هذا النصيب العظيم من أجر إحياء الأمة من غفلتها، وجعل لهم نصيباً في تعريف كثير من الأجيال الصاعدة من أمتنا بالمنافقين والخائنين والمتخاذلين الذين يتزينون بالشعارات الكاذبة».
ويضيف موسى أن «مدرسة غزة صححت الأفكار، وكشفت زيف الشعارات، وأزالت ستار الحمل الوديع الذي تتمثل به أوروبا. فعلّمنا طوفان الأقصى معنى العمل بالعلم، وعلّمنا معنى الثبات، والتوكّل، والإيمان، والصبر والشجاعة».
يشاطر محمود الرأي ابن مخيمه صبحي موسى (35 عاماً)، فيقول لـ«الأخبار»: «أنا كشاب فلسطيني في مخيمات اللجوء، من الجيل الثالث بعد النكبة الفلسطينية التي شردت أهلنا في كل أصقاع الأرض، أنظر إلى هذه المجازر التي ترتكب في غزة نظرة غير المتفاجئ من كل ما يجري في غزة من مجازر وإبادة جماعية. فالمجازر الصهيونية لم تتوقف أبداً، وهذا الكيان منذ نشأته بُنِي على القتل والإبادة وسمعنا عن هذه المجازر من أجدادنا الذين هجروا من فلسطين عام 1948».
ويتابع صبحي معبّراً عن أساه: «العجز يقتلني كل يوم، وما كان يصفه كبار السن عن مجازر دير ياسين، نراه اليوم أضعافاً مضاعفة، وما يواسينا هو حجم الانتصارات الكبيرة التي تحققها مقاومة شعبنا. وتواسينا صرخة طفل يقول نحن مع المقاومة».

زائر غزة في دمشق
خلال إجراء المقابلات، التقت «الأخبار» الشاب جعفر خضور (37 عاماً) من قطاع غزة في إحدى الوقفات التضامنية في دمشق، فهو يزورها هذه الأيام، «معركة طوفان الأقصى تجيء ضمن مسار استمراري في مفردات الصراع مع المشروع الصهيونيّ، ولعلّ ما أعطى الزخم الكبير لها هو التحوّل النوعيّ المتطوّر في الفعل المقاوم، حيث إنّه كشّف الكثير من الضعف الإسرائيلي، وتبدّى في الصدمة بالتعامل مع مقدّمات العبور المقاوم الذي قطع مساحة ضعفي القطاع على مرحلتين: جوية وبرية بما يسبق ذلك من تحضير وازن عكسته حماس. كما ثبّتت المعركة بمبادرتها الفلسطينية قوة المقاومة في غزة، والواقع العملي وضَّح ذلك من خلال التعامل مع التغيّرات الدراماتيكية بتسلسل ينمّ عن تخطيط بأعصابٍ باردة رغم لهيب الساحة على المستويين الداخلي والخارجيّ، ويسجّل نجاحاً يستحق التدريس وهو أن كلّ مقاوم أوقف العالم على قدمٍ وساق».
ويوضح جعفر رأيه في تلاحم المقاومة بالقول إن «الجبهات اللبنانية واليمنية والعراقية، إضافةً إلى الضفة الغربية، تُجسِّد المنهج التعددي الذي تتطلبه مثل هذه التطورات العسكرية، فكل جزء من القضية الواحدة يتطلّب تعاملاً مختلفاً عن غيره من الأجزاء وفق الإمكانات المتاحة والمعطيات الموضوعية. وأقل ما يمكن قوله إن غزة اليوم خلخلت فوائض قوة العدو، وعرَّت الادعاءات الزائفة بأن إسرائيل لا تهزم، كما برهنت على هممه البائدة. إنها الفرصة السانحة لتحديد الاصطفاف، وفيها النموذج الحيّ لكلّ شعب يتطلّع إلى استرداد حريته المسلوبة».