أيّ قراءة شاملة لجذور التطورات الجارية في فلسطين المحتلة، وخصوصاً في الضفة والقدس، يجب أن تنطلق من عام 2005 – 2006، لماذا هذه السنة بالتحديد؟ لأن تحولات سياسية وميدانية نوعية وقعت في تلك الفترة على الصعيد الداخلي الفلسطيني وتحولات داخل مستعمرات الكيان الصهيوني وفي المنطقة، أسّست للتطورات الراهنة.ففي عام 2005 خمدت نار الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى 2000 – 2005) وانتهت «مرحلة ياسر عرفات» وبدأت مرحلة من السلب جديدة، مع صناعة «الفلسطيني الجديد» وتسلّم محمود عباس وفريقه «مفاتيح السلطة»، حيث شهدنا إعادة هيكلة شاملة للأجهزة الأمنية الفلسطينية على يد الجنرال الأميركي كيث دايتون.
وفي تلك الفترة أيضاً حصلت الانتخابات التشريعية 2005 – 2006 التي فازت فيها «حركة حماس» قبل وقوع ما يُسمى «الانقسام الفلسطيني» أو «الحسم العسكري» ودخلت غزّة حالة غير مسبوقة من الحصار، وما تلاها من حروب شاملة مستمرة.
وفي تلك الفترة حصل تطور نوعي آخر وجديد، تمثّل في بداية تشكيل مجموعات ومنظمات صهيونية مسلّحة داخل المستعمرات الصهيونية في الضفة والقدس، وصلت اليوم إلى نحو 12 منظمة ناشطة في المستعمرات.
ولو عدنا إلى تاريخ إنشاء هذه المنظمات الصهيونية التي أفرزت شخصيات مثل بن غفير وسمويترش وغيرهما، لوجدنا أن معظمها عصابات مسلحة متطرفة تأسّست في عام 2005. كما يجب ألا نغفل حرب تموز 2006 وما كان لها من نتائج على لبنان وفلسطين والمنطقة.

المستعمرات الصهيونية في الضفّة المحتلة
لقد شهدنا في العقدين الأخيرين تسارعاً غير مسبوق في دورة عجلة الاستيطان الصهيوني وسرقة الأرض والسيطرة على القدس. هذه الهجمة الصهيونية هي الأكبر والأخطر على صعيد أسرلة وتهويد المدينة المقدّسة.
كما رأينا انتقال المستوطنين الصهاينة في الضفة والقدس إلى مرحلة جديدة من العدوان المنظّم المسلح، وتأسيس منظمات عسكرية (بارا ميليتري) وقوات «غير نظامية» لها هيكلية داخلية وقيادة مركزية ومواقع حساسة في جهاز الدولة الصهيونية، تحظى برعاية وحماية الجيش والحكومة والأجهزة السياسية وصولاً إلى الكنيست.
ومهم في هذا السياق تبيان عملية تبادل الأدوار، والتقاسم الوظيفي بين هذه المنظمات المسلحة وقوات الاحتلال النظامية، إلى درجة تتداخل المهام بينهما. وإذا كنا في العادة نطل على المستوطنات الصهيونية من خارجها صار يجب رؤيتها ورصد حركتها من الداخل أيضاً.
بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة حوالي 750 ألفاً موزّعين على 176 مستعمرة، ونحو 200 بؤرة استيطانية (نواة مستعمرة) أقيمت 10 منها خلال عام 2022، كما صادقت حكومة الاحتلال على 83 مخططاً لبناء 8300 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، و2600 وحدة في القدس المحتلة، وصادر العدو نحو 27 ألف دونم تحت مسميات مختلفة: إعلان محميات طبيعية، أوامر استملاك واعتبارها أراضي دولة، ومناطق أمنية...
مع تصاعد الاستيطان والعدوان الصهيوني من جهة، وتصاعد المقاومة وعملياتها (الفردية والخلايا المنظّمة) بدأت تتكشّف أزمة طبقة الرأسمالية الفلسطينية التابعة، وتبدو واضحة جداً أمام الجماهير


ولو أخذنا منطقة «مسافر يطا» كمثال، فهذه منطقة تضُم 12 تجمعاً سكانياً عربياً على جبال محافظة الخليل الجنوبية، يسعى الاحتلال منذ سنوات لتهجير سكانها البالغ عددهم نحو 3 آلاف لصالح توسيع 10 مستعمرات وبؤر استيطانية بحجة مناطق «تدريب للجيش وإطلاق نار» والهدف الصهيوني هو ذاته منذ بدء حركة الاستيطان الصهيوني في فلسطين: تفريغ المنطقة من سكانها العرب من خلال خلق بيئة معادية وطاردة.
يستدعي ذلك تنشيط ذاكرتنا حول حقيقة جدار النهب والضم (ما يسميه البعض جدار الأبارتهايد) الذي يحمي المستعمرات الصهيونية ويؤمّن شبكة الطرق الخاصة باليهود فقط. هذا الجدار قسّم الضفّة إلى ثلاث كتل سكانية فلسطينية:
كتلة شمال الضفة: تضم نابلس وجنين وطولكرم (حيث تتصاعد المقاومة المسلحة)
كتلة الوسط: رام الله والبيرة
الجنوب: الخليل وبيت لحم
ومن المفيد التذكير بأننا لا نتحدّث هنا عن مدن فلسطينية، بل عن محافظات تشمل مدناً وقرى وبلدات صغيرة ومتوسطة، ومخيمات ومناطق زراعية ومياهاً ومصادر وثروات طبيعية...
جرى تقسيم هذه الكتل الثلاث إلى ستة «كانتونات»، وتجزئة «الكانتونات» إلى نحو 70 منطقة فلسطينية محاصرة ومعزولة، تقع جميعها تحت السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي. وهذا يعني قدرة الجيش على عزل كل منطقة بسهولة ويسر، ويعني كذلك منع التواصل العمراني الجنوبي لمحافظة رام الله والبيرة، ومنع التواصل الشمالي لمحافظة بيت لحم، كما جعل من قيام دولة فلسطينية في عام 1967 محض أوهام وكذبة كبرى، وعمل الجيش أيضاً على تحويل حياة الناس في الضفة والقدس إلى جحيم حقيقي لدفعهم إلى الهجرة أو الاستسلام.

المُنظّمات الصهيونية المسلّحة العاملة داخل المستعمرات:
منظمة «شبيبة التلال»

ظهرت هذه المنظمة بعد النداء الشهير الذي أطلقه وزير الطاقة في حكومة بنيامين نتنياهو الأولى (مجرم الحرب المعروف أرئيل شارون) بذريعة معارضته مسار التسوية مع ياسر عرفات، إذ وجّه شارون نداء إلى «شباب المستوطنين» دعاهم إلى احتلال أعالي الجبال والتلال في الضفة، وتصريحه الشهير «إن ما نضع أيدينا عليه اليوم سيبقى لنا، وما لا نضع أيدينا عليه، سيذهب للفلسطينيين».
يقوم أفراد هذه المجموعات بـعمليات إجرامية منظّمة بين الفينة والأخرى ضد السكان الفلسطينيين في القرى المحاذية للمستوطنات والبؤر الاستيطانية، بحماية ومساندة جنود الاحتلال الإسرائيلي.

منظمة «جباية الثمن»
بدأ نشاط هذه المنظمة أواسط عام 2008، بعد اجتماع دعت إليه مجموعة من نشطاء المستوطنين المتطرفين في مستوطنة «يتسهار» جنوب مدينة نابلس، للاتفاق على استراتيجية عمل للمستوطنين خلال المرحلة المقبلة.
أعداد المستوطنين المنضوين في هذه المنظمة تقريباً ثلاثة آلاف مستوطن، يتوزعون في مختلف المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. تضم هذه المنظمة مجموعة واسعة من الحركات والمجموعات الصهيونية الدينية في المستوطنات، أبرزها: «حاخاميون» من التيار الديني القومي، و«حاخاميون» من التيار الديني الحريدي، وخرّيجو وطلاب المدارس الدينية (اليشفوت).

منظمة «لاهفا» الصهيونية
تدعو علانية إلى هدم الأقصى، وتقوم بعمليات تخريب لتحقيق هذا الهدف. وهي صهيونية متطرفة، رئيسها الحالي المستوطن المتطرف بن تسيون غوبشتاين، والمعروف أنه أحد تلامذة الحاخام الصهيوني كهانا مؤسس منظمة «كاخ» المحظورة.
اسم منظمة «لاهافا» يعني «النار» أو «اللهب» باللغة العبرية، وهو اختصار لاسمها «منظمة منع ذوبان اليهود في الأرض المقدّسة». أطلقت حملات عنصرية متواصلة لتحقيق أهدافها، تركّزت حول الدعوة الصريحة إلى طرد جميع العرب من أرض فلسطين التاريخية، وتتبنى خطاب العنصرية والكراهية شعاراً وعملاً ضد العرب والفلسطينيين، وتنفيذ الاعتداءات الجسدية والتحريض الدموي عليهم، ولا سيما في القدس المحتلة.
وتُعتبر هذه المنظمة المحرّك الأساسي للمستوطنين، وحركات اليمين المتطرف في تحريضها على الاقتحامات الجماعية للمسجد الأقصى، وإقامة الطقوس والشعائر التلمودية في ساحاته، وتدعو علانية إلى هدم المسجد الأقصى.

منظمة «نحالا»
تأسّست حركة «نحالا» الصهيونية في عام 2005 على يد المستوطن المتطرف موشيه ليفنجر، عرّاب الاستيطان في الخليل، وأحد أبرز مؤسسي منظمة «غوش أمونيم»، واليوم تقودها المستوطنة المتطرفة «دانييلا فايس» وتُعتبر «نحالا» امتداداً واستمراراً لأفكار منظمة «غوش أمونيم» الاستيطانية التوسعية وأهدافها، إلى جانب دعم الحركة لعصابات المستوطنين في الضفة الغربية، ولا سيما «شبيبة التلال».
ساهمت منظمة «نحالا» في إقامة أكثر من 60 مستوطنة وبؤرة استيطانية حتى الآن، وتنشط إعلامياً في الترويج للمشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية، وتعمل على تعزيز علاقاتها مع القيادات السياسية في «إسرائيل» وفي الجاليات والمنظمات اليهودية عبر العالم. تتلقّى الكثير من الدعم من اليهود في أوروبا وأميركا الشمالية.
وتحظى بدعم حزب «الصهيونية الدينية» وتأييده، وهو الذي يتزعّمه بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز السياسيين الإسرائيليين المتطرفين من ذوي الميول الفاشية وأخطرهم، وإذ دعا إلى حرق بلدة حوارة إلى الجنوب من مدينة نابلس، في موقف أثار غضب أوساط دولية واسعة، كما تهدف بأنشطتها الاستيطانية إلى الوصول إلى توطين مليوني مستوطن في الضفة الغربية.

تنظيم «تمرد»
أحد أكثر المنظمات الصهيونية إرهاباً وتطرفاً، وانبثق من منظمة «شبيبة التلال» الصهيونية المتطرفة، بصورة أكثر تنظيماً وتشدداً، يتزعمه مئير إتينغر حفيد الحاخام المتطرف مئير كهانا، ويضم في صفوفه شباناً صغاراً في سن 16 إلى 25 عاماً، وتختارهم بعناية فائقة قيادة التنظيم، ويعقدون اجتماعاتهم بسرية تامة.
يعمل التنظيم في الضفة الغربية، ويتركز معظم أفراده في البؤر الاستيطانية العشوائية المنتشرة على التلال والجبال الفلسطينية، ومن أبرز جرائم هذا التنظيم: إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما جنوب نابلس، وقتل ثلاثة من أفرادها، وإحراق كنيسة الخبز والسمك على ضفاف بحيرة طبرية، وإحراق مركبات وممتلكات فلسطينية في بلدتَي حوارة وبورين جنوب نابلس.

ميليشيا «نيتساح يهودا»
كتيبة عسكرية تتبع للواء كفير في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويخدم في هذه الكتيبة يهود متطرفون متعصّبون دينياً، وينتمي القسم الأكبر من جنودها إلى عائلات مستوطنين، يسكنون في البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية، ويُشرف عليها الحاخامات، تطورت بدعم من جيش الاحتلال، ويتلقّى أفرادها بشكل دوري محاضرات ودروساً ومواعظ دينية من الحاخامات، وقادة المستوطنين والجيش.
تنشط «نيتساح يهودا» في شمال الضفة الغربية، وتضم قرابة ألف مسلح وينفذ جنودها اعتداءات وحشية ضد الفلسطينيين، كان آخرها عملية الإعدام الميداني بحق الشهيد المسنّ عمر أسعد البالغ من العمر (80 عاماً) من قرية جِلجليا قرب رام الله.

منظّمة «لافاميليا»
صهيونية يمينية عنصرية متطرفة، وتُعتبر واحدة من أنشط المنظمات اليهودية العنصرية وأخطرها، وتسعى إلى تأجيج الصراع مع الفلسطينيين على طرفَي أراضي عام 1948، وفي مدينة القدس، وتُعتبر أرضية خصبة لخلق بيئة وحاضنة لممارسة الإرهاب والعنصرية ضد العرب.
تأسّست عام 2005، على أيدي نشطاء وأعضاء يهود كرابطة مشجعي فريق «بيتار» القدس لكرة القدم، وعلى الرغم من ترويج المنظمة لنفسها على كونها رابطة مشجعين للفريق الإسرائيلي، إلّا أن عناصرها يُشتهرون بعنصريتهم الفجّة، ضد كل ما هو غير يهودي، ويتصدّر خطابهم العنصري وسلوكهم الهمجي العلني وعمليات الإرهاب والتخريب التي تطاول كل ما هو عربي فعالياتهم وأنشطتهم كافة داخل الملاعب وخارجها.

وأخيراً، تشكّل المستعمرات الصهيونية في الضفة المحتلة والقدس مشاريع اقتصادية ربحية، تدرّ مليارات الدولارات على الشركات الصهيونية الخاصة التي ترسو عليها كل عطاءات الحكومة، وهذا الواقع يشكّل مصلحة اقتصادية للكيان والشركات العاملة في مختلف المجالات المتعلقة بالإنشاءات والبناء والتكنولوجيا والطاقة وغيرها.

على الصعيد الفلسطيني
بعد إعادة هيكلة أجهزة السلطة الأمنية الفلسطينية عام 2005 - 2006 انتقلت هذه الأجهزة بالتدريج من مرحلة كانت تضع فيها قدماً في ساحة المقاومة والثانية في دوائر التنسيق الأمني، إلى مرحلة الشريك العلني التابع للكيان الصهيوني، وانتقلت من دور الوكيل الأمني المتعاقد من الباطن، إلى دور العميل والأداة المنفّذة لسياسات الاحتلال. واليوم يوجد 14 جهازاً أمنياً فلسطينياً تعمل في الضفة، تستهلك ثلث الميزانية الفلسطينية تقريباً، وتوظّف بين 85 – 90 ألف شرطي ورجل أمن، ومموّلة بالكامل من الولايات المتحدة، وتقدّم تقاريرها إلى ضباط الاحتلال والمخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه).
وبعد انطفاء نار الانتفاضة الثانية، تصاعد العدوان أكثر، وأصبحت الأسئلة الشعبية الفلسطينية المُكررة التي توجهها الجماهير إلى السلطة تتلخص في الآتي:
إذا كنتم غير قادرين على حماية الأرض ولا الدفاع عن الناس وحمايتهم من اعتداءات الجيش والمستوطنين، إذاً لِم كل هذا السلاح؟
وإذا كنتم غير قادرين على منع جرافة صهيونية من هدم بيت، ولا تحرير الأسرى، ولا وقف الاعتداءات على الأقصى والقدس، إذاً ما هي حاجتنا إلى السلطة؟
وإذ تستمرون في حالة استعداء غزّة وحصارها، ولا تريدون حتى انتخابات، تحت الاحتلال وعلى مقاسكم، وإذا كانت استراتيجيتكم كلها قائمة على أساس الشكوى والتذمّر للجامعة العربية والمجتمع الدولي، إذا كان هذا هو الواقع، وهو كذلك، فما حاجتنا إلى السلطة؟
والخلاصة التي تكرّست كقناعة شعبية، أن اتركوا هذه المسؤولية للشعب: المقاومة تستطيع.
وهنا تبرز الأسباب الكامنة وراء تجدد ظاهرة المقاومة في الضفة، فالمقاومة لا تولد من عدم، بل تجدّد ذاتها باستمرار مع كل جيل جديد، إنها رد فعل على سياسات الكيان الصهيوني ورعاة مشروعه في فلسطين.
وليس سراً الجهد الذي تبذله قوى المقاومة بالتعاون مع «حزب الله» خلال السنوات الثلاث الأخيرة في الضفة، وخاصة جهود حركة «الجهاد الإسلامي» وحركة «حماس» وبعض قواعد حركة «فتح» والمجموعات الشبابية الجديدة التي نشأت في الضفة («عرين الأسود» وغيرها) ويجري العمل على دعم هذه المجموعات، وتوفير القدرات المادية والإعلامية والسياسية والعلمية لها.
ولاحظنا انخراط عشرات ومئات الشباب من العمّال والطلبة، من أبناء الطبقات المسحوقة الفقيرة في شمال الضفة والمناطق الأكثر تضرراً من الاستيطان، والأكثر تجربة وخبرة في مقارعة الاحتلال. فالأسرى الستة مثلاً (كتيبة جنين) الذين انتزعوا حريتهم من سجن جلبوع في عملية «نفق الحرية» أعطت زخماً كبيراً لتسريع تجدد المقاومة وكلهم من جنين.

الحاضنة الشعبية للمقاومة
الحاضنة الشعبية للمقاومة تعبّر عن نفسها اليوم في الضفة المحتلة من خلال مظاهر عدة، ومنها على سبيل المثال:
-الاستجابة الشعبية الواسعة للنداءات الصادرة عن المقاومة.
-نتائج انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية (حتى من خسر الانتخابات لم يرفع شعارات ضد المقاومة).
-انتخابات بعض النقابات المهنية.
-تزايد أعداد المشاركين في تشييع جنازات الشهداء، وفي المناسبات الوطنية.
-عقد مؤتمرات شعبية في عدد من المناطق والمدن وغيرها من مظاهر نضالية وجماهيرية.
-الحملة الشعبية المستمرة للدفاع عن القدس والمقدّسات الإسلامية والمسيحية، وخاصة المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
ومع انفجار انتفاضة «الوحدة» أو «سيف القدس» بدأنا نشهد انتقالاً تدريجياً من حالة رد الفعل إلى حيز المبادرة، ومن السلب والتذمر والغضب على مواقع التواصل الاجتماعي و«فايسبوك» إلى التواجد المادي في الميادين والشوارع. ولعبت الحركة الطالبية والشبابية دوراً أساسياً في تكريس المظاهر الشعبية، التي تؤكد حالة الالتفاف الشعبي الواسع حول خيار المقاومة المسلحة في شمال الضفة تحديداً.
وعلى الرغم من تحفّظنا على ما يسمّى «استطلاعات الرأي» إلا أننا سنأخذ هذا الاستطلاع الذي أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية» وهو ليس صديقاً للمقاومة وتقديراته محافظة جداً. يقول في تقرير صدر في 15 حزيران 2023 إنّ معظم الفلسطينيين «يؤيدون الكفاح المسلح، ويرفضون مُلاحقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لكوادر المقاومة». وبحسب نتائج الاستطلاع، فإنّ 71% يؤيدون تشكيل مجموعات مسلحة مثل «عرين الأسود» و«كتيبة جنين». و86% يعتقدون أنه لا يحق للسلطة الفلسطينية ملاحقة أفراد هذه المجموعات. و80% يعارضون فكرة تسليم عناصر المجموعات أنفسهم أو سلاحهم للأجهزة الأمنية الفلسطينية بحجة حمايتهم من الاغتيالات.
لاحظوا أن هذه استطلاعات للرأي العام الفلسطيني في الضفة. يعني لو سحبناها على الشعب الفلسطيني كله، لوجدنا أن الأرقام أعلى بكثير لصالح المقاومة وضد ممارسات السلطة بل حتى ضد وجودها.

أزمة الرأسمالية الفلسطينية التابعة
مع تصاعد الاستيطان والعدوان الصهيوني من جهة، وتصاعد المقاومة وعملياتها (الفردية والخلايا المنظمة) بدأت تتكشّف أزمة طبقة الرأسمالية الفلسطينية التابعة، وتبدو واضحة جداً أمام الجماهير. فهذه طبقة عميلة تتعاقد من الباطن مع الاحتلال، وتراكم مليارات الدولارات في حساباتها وبنوكها داخل وخارج فلسطين. وبدأت تجد نفسها بين مطرقة الضغط الشعبي الفلسطيني وسندان العدو وأميركا، ومن يطالبها بتقديم المزيد من التنازلات، وممارسة المزيد من القمع ضد الشعب الفلسطيني. إنّ حالها في ذلك حال كل الكيانات الوسيطة العميلة التي أنشأها المستعمر الأجنبي، حتى تكون واسطة وحزاماً بينه وبين السكان والشعوب المستعمَرة.
إنّ ما نشهده في الضفة، هو اكتمال لحلقات مشروع الاستعمار الصهيوني في كل فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر. ومرحلة جديدة لتفريغ الأرض من السكان. وقد سمعنا عبارات كثيرة تعني «حسم الصراع» و«اقتراحات» من نوع «تأسيس الإمارات الفلسطينية المتحدة» القائمة على سلطة القبائل والعشائر. ومقولة «السلام الاقتصادي» وغيرها. وكلها تعني في المحصّلة الأخيرة تفكيك المجتمع الفلسطيني وتذويبه وصهره.
في المقابل، تشكّل المقاومة الشاملة، وفي القلب منها المقاومة المسلحة، المشروع الثوري الفلسطيني البديل، والصمغ السياسي الذي يجمع ويشد كل حواس الجسد الفلسطيني، ويوجّه تركيزه في بؤرة واحدة تحت شعار واحد وهدف واحد، يدفع هذا الخيار إلى تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، والتسريع في ترجمة شعار وحدة الساحات ونقله إلى الميادين، مجسّداً في بناء جبهة وطنية عريضة للمقاومة والتحرير.