في كل مرة تحضر سيرة الأسير مروان البرغوثي، تحضر معه سيرة حضوره الفعلي في أجندة العمل السياسي الفلسطيني، وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على أسر البرغوثي، إلا أن حضوره الفعلي يطغى على الحراك السياسي الفلسطيني برمّته. والذي يجعل من هذا الحضور المتجدد دوماً، على الرغم من العزل داخل زنازين الاحتلال؛ مسيرته النضالية المتواصلة.من دون شك فإن اسم مروان البرغوثي وسيرته الذاتية النضالية، شكّلا حالة رمزية في النضال الفلسطيني، فالرجل المولود في عام 1958 تعرّض للاعتقال عدة مرات منذ بداية شبابه الأولى، ومع مطلع الانتفاضة الأولى طورد واعتُقل وتعرّض للإبعاد خارج حدود الوطن، ليعود بعدها مطلع عام 1994، ويواصل مسيرته النضالية ويتولى أمانة سر حركة «فتح» في الضفة الغربية.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، كان للبرغوثي الدور المركزي فيها، فأسهمت مكانته التنظيمية في صفوف حركة فتح للعب هذا الدور، وطوال السنوات التي سبقت الانتفاضة الثانية، لم يشارك البرغوثي في تولّي أي مسؤولية في صفوف السلطة، وبالتالي استطاع الحفاظ على مسافة معها، بعد أن أبقى حركته تنظيماً شعبياً، له حيثياته غير المقيّدة بشروط «أوسلو» وتوابعها، وتُعد هذه الخطوة مكسباً مهماً لـ«فتح»، فقد مكّنها من لعب أدوار كبرى في إدارة المعركة مع الاحتلال.
هذا لا يعني أن البرغوثي لم يكن على إيمان بالحل السياسي أو على بعد عن رؤية السلطة لهذا الحل، لكن عدم الانخراط الشخصي وبحكم المسؤولية التنظيمية التي تولاها، جعله، وعبر ممارساته السياسية، بعيداً عن كل الصراعات السياسية التي أفرزتها «أوسلو» وما تلاه، فلعب الرجل أدواراً وحدوية بين مختلف الفصائل الفلسطينية، سواء الرافضة لأوسلو أو المساندة له. لقد حافظ على خط الرجعة، وحفظ لحركته «فتح» خطها المقاوم، خاصة بعد تشكيل «كتائب شهداء الأقصى» في فلسطين، والتي بدورها أعادت للكفاح المسلح دوره في الصراع مع الاحتلال.

الرمزية النضالية والأسر
أكثر من عقدين على الأسر واسم مروان يحضر في كل محطة نضالية، لا سيما ما يتعلق ببناء الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المتواصل منذ نحو 17 عاماً، فالرجل كانت له إسهامات مهمة على هذا الصعيد، فمن داخل المعتقل تمكّن مع ثلة من قادة الفصائل الأخرى الأسرى من صياغة وثيقة سياسية، عُرفت بوثيقة الأسرى، وقد حملت رؤية سياسية ونضالية متكاملة، تكمن أهميتها في أنها حظيت بإجماع مختلف القوى الفلسطينية. وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة لم ترَ الفاعلية حتى هذا الوقت، لكنها لا تزال تُعدّ مرجعية أساسية في كل جولات الحوار الداخلي الفلسطيني. صحيح أن تلك الحوارات اللاحقة للوثيقة لم تسفر حتى هذا الوقت عن نتيجة إيجابية، إلا أن جولات الحوار تعتمد على ما صاغه الأسرى في زنازينهم من توافقات، وربما هم وحدهم الذين لديهم القدرة على تلمس ضرورات الوحدة في مواجهة الاحتلال والسجّان.

مستقبل البرغوثي السياسي
أيضاً لم يغب اسم البرغوثي عن المسرح السياسي الفلسطيني والعربي والدولي، على الرغم من مرور كل هذا الوقت من الاعتقال والعزل، وظل على الدوام حاضراً في أروقة صناعة القرار الفلسطيني، فتم انتخابه في عضوية اللجنة المركزية لـ«فتح» في عام 2009، في المؤتمر السادس الذي عُقد في مدينة بيت لحم، وكذلك أعيد انتخابه في عام 2016 في المؤتمر السابع لـ«فتح» الذي عُقد في مدينة رام الله.
لكن أهم المحطات السياسية المصيرية في حياة البرغوثي حين أعلن عن الترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية، بعد إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس منتصف كانون الثاني 2021 مرسوماً رئاسياً يحدد مواعيد الانتخابات، ووفق المرسوم الذي أصدره عباس كانت ستجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني في أيار وتموز وآب من العام ذاته.
أكثر من عقدين على الأسر واسم مروان يحضر في كل محطة نضالية، ولا سيما ما يتعلق ببناء الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المتواصل منذ نحو 17 عاماً


كان إعلان البرغوثي علامة فارقة في تاريخه النضالي، خاصة أن هذا الإعلان يخالف القرارات الصادرة عن «فتح» التي توصي بأن يكون لديها مرشح واحد في هذه الانتخابات، وبالتأكيد تقصدُ بهذا المرشح الرئيس محمود عباس. لكن ما دفع البرغوثي لهذا الفعل هو جملة من العوامل الداخلية، أولها يتعلق بشق مسار لحريته من المعتقل، وثانيها يتعلق بحظوظه الكبيرة في الفوز بتلك الانتخابات. وهناك استطلاعات رأي تؤكد ميل الشارع الفلسطيني إلى مروان البرغوثي تأييداً. أظهر آخر استطلاع للرأي أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث المسحية»، منتصف كانون الأول الماضي من عام 2021 أن 69% من الفلسطينيين سيشاركون في الانتخابات التشريعية القادمة، وستحصل قائمة «فتح» الموحّدة على 38% من الأصوات مقابل 34% لقائمة «حماس».
وجاء في الاستطلاع أنه لو شكّل البرغوثي قائمة مستقلة عن قائمة «فتح» الرسمية فإن 25% من الجمهور سيصوتون لها، و19% لقائمة «فتح» الرسمية. وللدلالة على أهمية هذا الترشح فقد أشار الاستطلاع إلى أنه لو جرت انتخابات رئاسية وترشح فيها اثنان فقط هما عباس وإسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس») لحصل الأول على 43% من الأصوات والثاني على 50%، أمّا لو كانت المنافسة بين البرغوثي وهنية فإن البرغوثي يحصل على 61% وهنية على 37%.
من هنا فإن دعوة البرغوثي لخوض هذه الانتخابات لها ما يبرّرها، على الصعيد الشخصي وكذلك على صعيد الحركة الوطنية الفلسطينية، مع الملاحظة أن تلك الدعوة للانتخابات، قد تم التنصّل منها من قبل قيادة السلطة، بعد أن تبيّن لها أن حظوظها في الفوز معدومة، بعيداً عن طرح البرغوثي.

الحراك السياسي للإفراج عن البرغوثي
عاد الحديث مرة أخرى عن إمكانية الإفراج عن مروان البرغوثي، فقد أعلنت زوجته فدوى البرغوثي، في لقاء مع وزير الخارجية الأردني في عمّان نهاية شهر تموز الماضي، إطلاق حملة دولية للإفراج عن زوجها.
ومن المقرّر أن يتم إطلاق الحملة في الأشهر القليلة المقبلة، والتي تحمل اسم «الحرية لمروان البرغوثي، مانديلا فلسطين» في أوروبا وأميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا من قبل «مجموعات تضامن»، وستعمل على الضغط على المجتمع الدولي من أجل إطلاق سراحه. وكانت رحلة فدوى البرغوثي إلى عمّان هي المحطة الأخيرة في جولة وصلت خلالها إلى القاهرة للقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، وسبق أن جرت لقاءات مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، ومع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.

من السجن إلى الحرية
من خلال الحضور الفعلي للسيرة النضالية للبرغوثي، سواء داخل الوطن أو الإبعاد والعودة، في المعتقل أو خارجه، بقي طوال تلك السنوات محافظاً على مسيرته النضالية، وهي مسيرة حركته ومسيرة شعبه، وربما يكون الوريث الفعلي والحقيقي لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية مستقبلاً، خاصة أن حالة الإجماع الوطني عليه تتخطّى حدود حركته الأم، وطالما حظي بتقدير كل القوى الفلسطينية الأخرى، إضافة إلى الالتفاف الشعبي حوله، في صورة قلّ نظيرها، فهل يخرج من معتقله، ليجدّد وتتجدّد معه تلك الوحدة؟