إلى أين تتجه الأحداث الداخلية في جنين، وهل لديكم تصور للحل؟ما حدث في جنين قبل أيام من تراشق إعلامي، وأحداث داخلية مؤسفة، إن شاء الله في الطريق إلى الحل، وخاصة أن شباب المقاومة وضّحوا وجهة نظرهم من هذه المشكلة، وقالوا بأن سلاحهم وبنادقهم لن تتوجّه في أيّ حال من الأحوال إلا إلى الاحتلال. وبالتالي، فقد عبّروا عن هذا الموقف المشرّف بشكل محترم وراقٍ، عبّروا عن رفضهم لاعتقال المقاومين، وخاصة أنهم قد أكدوا على وجود اتفاق سابق بينهم وبين السلطة، وبموجبه أعيد تسليم سلاح المقاومة، على أن يتم الإفراج عنه لاحقاً، ومع هذا أرى أن الأمور الآن تسير بالاتجاه الصحيح، وخاصة أن «كتيبة جنين» لا تبحث عن جاه ولا عن سلطة، هي فقط تبحث عن مقاومة الاحتلال، والدفاع عن شعبنا. أمّا الحل أو التصور المطروح له، فهو دائماً يستند إلى الحوار ثم الحوار، وخاصة أن هناك اجتماعاً قريباً سيجرى في القاهرة، بين الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، وأتمنى أن تتم صياغة الاتفاق وتوضع آليات للالتزام بهذا الحل، بحيث يتضمن أيضاً نصاً واضحاً على تحريم وتجريم الاعتقال السياسي، سواء في الضفة أو غزة.

هل ترى أن هناك إمكانية للتعايش بين ثنائية السلطة والمقاومة في الضفة؟
- حركة «فتح» رسمياً، على لسان الرئيس أبو مازن الذي يقول بأن المقاومة الشعبية السلمية ومواجهة الاحتلال في المحافل الدولية هي الأسلوب الأمثل لهذه المواجهة، في المقابل فإن كوادر وقيادات «فتح» الذين يقاومون في الميدان، يدركون بأن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة، وبالتالي هناك توجه داخل حركة «فتح» يقول بأن المقاومة الصلبة هي الحل الأمثل لمواجهة الاحتلال. والعديد من كوادر الحركة، سواء في داخل المؤسسة الأمنية و«كتائب الأقصى» يقاومون الاحتلال، ويدافعون بشكل قوي جداً في محافظات الضفة كافة. وبالمحصلة، هناك تصور رسمي للحركة وهناك تصور آخر يعبّر عنه كوادر وقيادات الحركة يجد التأييد العارم في صفوف «فتح».

مخيم جنين قدّم نموذجاً نضالياً للوحدة الوطنية الميدانية، هل هذا النموذج قابل للتعميم؟
بالتأكيد، نموذج الوحدة الوطنية قابل للتعميم، إذا كان هناك نوايا من الجميع. وهناك تجارب سابقة وتاريخ طويل من الوحدة الوطنية بين فصائل المنظمة وحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وبالتالي إمكانية تعميم حالة مخيم جنين واردة، وواجب تعميمها في حال توافر النوايا الصادقة في مواجهة الاحتلال، وليس البحث عن مصالح داخل السلطة أو هنا أو هناك. وباعتقادي إن هذه الحالة يجب أن تدرس، ويجب أن تكون النموذج، فالاحتلال الذي لا يستثني أي فصيل وأي شخص مقاوم من «فتح» أو «حماس» أو «الجهاد» أو «الشعبية» وغيرها من الفصائل، بالتالي كما يقاتلوننا مجتمعين وموحدين، علينا مقابلتهم موحدين تحت راية واحدة، هي راية فلسطين.

هل اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة قادر، برأيك، على تجسير الهوة وبناء تصور سياسي فلسطيني موحد؟
- بالتأكيد، إن اجتماع الأمناء العامين في القاهرة قادر على تجسير الهوة، وقادر أيضاً على بناء تصور سياسي فلسطيني موحد في حال توافر النوايا الصادقة، مع ضمان آليات التنفيذ، على غرار تشكيل قيادة وطنية موحدة وإجراء انتخابات الرئاسة والتشريعي وتشكيل حكومة انتقالية متفق عليها، من أجل الوصول إلى تنفيذ عملي للوحدة الوطنية، فلا حل للشعب الفلسطيني إلا بالوحدة، شركاء في الميدان يجب أن نكون شركاء في صنع القرار.

كل المتضامنين مع القضية الفلسطينية ينظرون إلى التجربة الكفاحية في جنين بعين الرضى، لكن يساورهم القلق عليها، وخاصة في حال، لا سمح الله، دخول هذه التجربة معترك الصراع الداخلي، ماذا تقول بهذا الصدد؟
الصدام الداخلي لن يحدث أبداً، لاعتبارات عديدة، أولها يتعلق بطبيعة الحالة الكفاحية للمقاومة، فالمقاتلون يتمتعون بأخلاق عالية وحالة من النضج تمنعهم من الذهاب إلى هذا المنزلق، مع أن البعض يحاول أن يجرّهم إلى مربع المواجهة والعنف، لكن كما سمعت من كل المقاتلين وعلى لسان «الكتيبة»، وعلى رأسهم الأخ أبو شادي، وكذلك «شهداء الأقصى» و«القسام» وكل المقاتلين، جميعهم يؤكدون أن البوصلة لن تنحرف، وأن المواجهة فقط مع الاحتلال، لكن في المقابل أتمنى على الإخوة في الأجهزة الأمنية، وهم في النهاية أبناؤنا وإخوتنا وأصدقاؤنا، أن يكونوا في المسار نفسه. مخيم جنين كان وسيبقى رمزاً للوحدة الوطنية، ولن تنحرف ولن تنجرف البندقية إلى الداخل الفلسطيني.

هل حققت الهجمة الأخيرة على جنين أهدافها، أم أن صمود المقاومة والحاضنة الشعبية لها استطاعا صدّ هذه الهجمة وإفشالها؟
نموذج جنين نموذج حرب المدن وحرب الشوارع، حقق انتصاراً كبيراً. المقاومة أجبرت الاحتلال تحت النار على الانسحاب من دون تحقيق أي هدف من أهدافه، حتى قادة العدو اعترفوا بالهزيمة، فالاحتلال ادعى بأنه سيدخل جنين ويقتل المقاومين أو يعتقلهم، لمنع وجود مقاومة في الضفة الغربية، وخاصة أن عملياته ما قبل الأخيرة التي سمّاها «كاسر الأمواج» كان الهدف منها منع المقاومة من التمدد داخل الضفة الغربية؛ فكانت «عرين الأسود» في نابلس وعقبة جبر ونور شمس وبقية المدن والمناطق، حيث انتقلت المقاومة وتعممت، وصولاً إلى المعركة الأخيرة التي اندحر فيها العدو، وكانت الكلمة الأخيرة للمقاومة من خلال قتل جندي للاحتلال في اللحظات الأخيرة التي سبقت الانسحاب.
ومن خلال هذه المعركة، حققت المقاومة مكاسب متعددة، أولها أنها استطاعت إحياء الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي والإسلامي وكل أحرار العالم، وأثبتت بالتجربة العملية أن مساحة جغرافية صغيرة لا تتعدى نصف كيلومتر مربع، وبوحدة ميدانية استطاعت منع الاحتلال من تحقيق أهدافه. لقد قرر المخيم إرسال رسالة إلى الاحتلال بأننا قد لجأنا مرة واحدة ولن نكرر هذا اللجوء مرة أخرى، ووجهتنا لن تكون إلا حيفا ويافا وبقية مدننا المحتلة.