نضال أبناء الجولان المحتل في الـ 15 عاماً الأولى على الاحتلال زرع ثوابت وطنية عميقة لا يمكن لأحد تخطيها. سنوات أُفشلت فيها مشاريع «الأسرلة» أو «الدولة الدرزية» أو «فرض المواطنة الإسرائيلية» والتجنيد العسكري الإجباري، واعتبر قرار مجلس الأمن (1981/479) قانون ضم الجولان لدولة الاحتلال مُلغى وباطلاً. وهذا القانون ذاته، الذي أدى بالأهالي هناك للانتفاض ضده ورفضه. تحققت هذه الإنجازات بفعل آلاف الجولانيين منذ احتلال هذا الجزء من سوريا وحتى اليوم.
اليوم... هبة المراوح
يسعى الاحتلال منذ سنوات إلى تنفيذ مشروع «الطاقة البديلة»، وفي المقابل يرفض أهالي الجولان هذا المشروع الذي سيُنفذ على أراضيهم. وتخلل نضالهم، استغلال القانون الذي يفرضه الاحتلال عليهم قسراً، فتوجهوا إلى المحاكم المعنيّة لتعرية ادّعاء الشركة المُنفِّذة بأن «المراوح إنّما هي لخدمة مناطقهم»، فضلاً عن اللجوء إلى المؤسّسات الدولية من خلال وطننا الأم سوريا، بوصفها الجهة الوطنية المخوّلة أمام تلك الهيئات. على أن كلّ ما تقدّم من خطوات لم يُجدِ نفعاً في كبح عجلة المشروع، الذي نال مصادقة حكومة الاحتلال، رسمياً، أواخر عام 2020.

المصير الواحد
يريد الاحتلال من خلال هذا المشروع، مدّ الاستيطان إلى أراضي الجولان، وتفريغه من سكانه الأصليين. لذا، فالمواجهات التي اندلعت هناك، لم تكن عفوية، بل بقرار اتخذته الحركة الوطنية في الجولان ممثلة بـ«الهيئة الدينية والزمنية» منذ الكشف عن نية العدو الصهيوني تنفيذ المشروع.
إنّ مشهد الأهالي بصغارهم وكبارهم، بنسائهم ورجالهم، وهم يواجهون الاحتلال، يمثّل أفضل معاني النضال الجمعية، فبينما كانت تحدث الإصابات بينهم، كانوا يزدادون عنفواناً وإقداماً، فتوصيف المعركة لديهم «معركة وجود». وحتى عندما اعتقل الاحتلال بعضهم، لم يكن الانتظار سيد الموقف، بل اقتحام مركز صغير لشرطة الاحتلال في قرية مسعدة من أجل تحرير المعتقلين.
انتقل الغضب الشعبي إلى قرى الجليل والكرمل في شمال فلسطين المحتلة عام 1948، فقد هبّ الأهالي هناك لمساندة الجولانيين، هذا تطور يجب الوقوف عنده وتوجيهه نحو مساره الحقيقي، فمن ناحية الظاهر، أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948 هبوا لمساندة أبناء طائفتهم في الجولان العربي السوري، إنما في الجوهر، فأبناء الطائفة العربية الدرزية في فلسطين المحتلة، يعبرون عن رفضهم العميق للذهنية الصهيونية وممارساتها، التي انكشفت أمامهم بوضوح في السنوات الأخيرة. وهذا التطور يوجّه في المستقبل للنضال تحت ذهنية الهوية العربية الفلسطينية التي دأب الاحتلال والحركة الصهيونية منذ نحو مئة عام، لكي وعي «الدروز» في فلسطين المحتلة من أجل سلخهم عن عمقهم العربي، واستثمارهم في مشاريع التقسيم والفتن.
هذا الغضب الشعبي العارم، يمكن أن يتسع، ولا سيما بعد الاستفزاز الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية، ممثّلة ببعض أركانها منهم بن غفير، إذ نقلت الصحافة العبرية عن مصادر في شرطة الاحتلال قولها «إن بن غفير يجر الدولة إلى حرب ضد الدروز»، وحذّرت هذه المصادر ذاتها من أنه إذا لم يتم وقف الأعمال، لغرض إجراء مفاوضات مع أهالي الجولان «فسينتهي الأمر بإراقة الدماء».

نضال من أجل التحرّر
إنّ أحداث الجولان الأخيرة، هي امتداد مع اشتباك الشهيد محمد صلاح، العربي المصري، في جنوب الأراضي العربية المحتلة المحاذية للأراضي المصرية، وتتماثل بعملها مع الهبة البطولية لأهالي كفرشوبا اللبنانية دفاعاً عن أرضهم بوجه عدو مغتصب، ومع المقاومة بأشكالها في أنحاء فلسطين المحتلة. ولعل هذا ما لم يتمكن الاحتلال أن يفهمه، بأن المواجهة لا تقف في مكان، ولا تتوقف أمام أحد، فوجوده مرفوض من الجميع، والمستَعمر لن يقبل بأي شكل من الأشكال بالمستعمِر. وصحيح أن الاحتلال لم يطلق عملية «كاسر الأمواج» في كل الأراضي المحتلة، لكن ممارساته كذلك، وإن كان هناك ما يؤكد المؤكد، فإن المقاومة العربية للاحتلال قائمة داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وفي كل مكان يمكن لإسرائيل أن تعلن عن نفسها فيه.

* أسير محرر ــــ الجولان