أن تكون لاجئاً فلسطينياً في لبنان، فذلك معناه أنك محروم من حقوق إنسانية بديهية، كالحق في العمل والتملك وغيرهما. هذا ما يجري في الصورة العامة، على الفلسطينيين عموماً، في أي نقطة من الجمهورية وُجدوا. لكن بين الفلسطينيين أنفسهم، تفاضُل في موقع السكن، أوجدته الظروف الحياتية المترتبة على ذلك، على اعتبار أن هناك شيئاً من الفرق، بين من يعيشون في مخيمات، ومن يقطنون في تجمعات فلسطينية، وبين أولئك الذين ولدوا وترعرعوا وكبروا، في مجتمع غالبية سكانه من اللبنانيين.لا شك، أن من يعيش في مخيمات اللجوء، والتجمعات المتفرعة منها، يذوق طعم المعاناة، بشكل مضاعف، بسبب تعدد العوامل المؤثرة، وعلى رأسها الأبنية المتلاصقة، وعشوائية البناء، ومشاكل الكهرباء وتمديداتها، وأزمات المياه، والصرف الصحي، واستنسابية تطبيق النظام، إلى جانب ظاهرة السلاح المتفلت، وما إلى ذلك من أزمات بنيوية في مخيماتنا، وأخرى تشكلت بفعل الزمن، فضلاً عن غياب اهتمام الدولة بالمخيمات، وتراجع دور «الأونروا» والفصائل الفلسطينية، بفعل الأزمات المتلاحقة، المالية منها والسياسية.
على الضفة الأخرى، يعيش الفلسطينيون خارج المخيمات، حالة من شبه الاستقرار، بفعل استفادتهم من معظم الخدمات التي تقدّمها الدولة، وسلطاتها المحلية، شأنهم شأن المواطن اللبناني، لهم ما له، وعليهم ما عليه، في الكهرباء والماء وسواها، إلا في الوظائف الرسمية، والضمان الصحي، من دون أن يسري المنع في شق العمل، على المصالح الخاصة، والأعمال الحرة، التي تغض السلطات الطرف في الغالب عن وضع العاملين بها، علماً أن القانون اللبناني حاكم بكل تفصيلاته على اللاجئ الفلسطيني في الخارج.
ظروف الحياة خارج المخيمات، تخلق أريحية ورضىً أكبر للاجئ الفلسطيني، إذ إن البيئة صحية أكثر للعيش الطبيعي، والمنازل مبنيّة وفقاً للتنظيم المدني غير العشوائي، إضافة إلى أن إمكانية الحركة تعد أوسع في الحيّزين المكاني والزماني. ومن غير تكلّف، يجد الفرد نفسه أكثر انفتاحاً على الثقافة وأسلوب الحياة اللبنانية، ما يساعده على التأقلم مع البلد المضيف، وتقديم ذاته بشكل أفضل، الأمر الذي يجعل الفلسطيني أكثر قبولاً من الجانب اللبناني، من دون أن يعني ذلك ذوبان العنصرية، التي يتعرّض لها اللاجئون في كثير من المواقف، وإن كانت عنصرية نسبية.
ومما يلفت النظر، معدّل الزيجات والمصاهرة المرتفع، وامتزاج صلات الدم والرحم، بين الفلسطينيين واللبنانيين، في المناطق المختلطة، وهي من الأسباب التي خلقت استقراراً كبيراً في العلاقة بين الجانبين، ورسمت لها مسارات أكثر سكوناً، فضلاً عن حالات المجاورة في السكن، والشراكات في العمل، وتشارك الأفراح والأتراح، وتعدد الرفاق، وكلها عوامل ساعدت اللاجئ الفلسطيني على إيجاد بيئة خصبة، صالحة لحياة سوية، في الحيز اللبناني الخالص.
تعد حياة اللاجئ الفلسطيني خارج المخيّم أكثر سهولة، في العديد من الجوانب، وإن لم تكن خالية من بعض الصعوبات، نتيجة التفاوت الطبيعي الذي يفرضه غياب المواطنة الكاملة، لكن سبل العيش للفلسطيني تبقى أكثر يسراً، بخلاف المعوقات العديدة التي تعد من لوازم الحياة في مخيّمات اللجوء.