يصحو المخيم على مهل، يتثاءب كعادته، الساعة السابعة صباحاً تعني أن القهوة على النار في معظم بيوت عين الحلوة! الأطفال ينامون أكثر في الصيف، طرق متعرّجة بين الأزقة يسلكها الناس إلى أرزاقهم.لم يكن هناك ما هو مختلف صبيحة يوم الثلاثاء، سوى وقع الخبر، فتاة حامل بغير زواج، لقد اعتدوا عليها، فضيحة دفعت الشمس ساعات إلى الأمام، حلّت الظهيرة قبل موعدها، وسرقت النعاس من عيون ذلك الصباح.
توالت الأخبار، اعتدى فلان وفلان على فلانة. فلانة مختلة عقلياً. العائلة تصمت. الدولة أفرجت عن فلان لكنه اختفى. الفتاة أصبحت شبحاً لا نعرفه، يُقال عنها ما يقال دون أن يُعرف وجهها. الحديث يدور عن أطراف مسلحة تريد أن تطمس الحقيقة. ليس هناك قصص أخرى يتداولها الناس، في البيوت والمقاهي والعزاءات وحتى في زوايا المساجد.
الخبر تمدد إلى المخيمات الأخرى، أحداث بوليسية أضيفت إليه، المصادر مجهولة وغائبة دائماً، الكل ينقل الكلام عن الكل، وحكاية تغزل أخرى. الفتاة غائبة. مختلة عقلياً أم متوازنة فقصتها تتأرجح على الألسن. الخوف يتسع لدى الفتيات في المخيمات، يأكلهن.
يحدث ما يحدث في المخيم دائماً، لكن مثل هذا الخبر نادر جداً. أسبوع مرّ أو أكثر، لم يحصل الرأي العام على رواية رسمية، بعض الروايات تقول إن الحمل عمره خمسة أشهر، العائلة تواصل صمتها. نكتب بأضعف الإيمان، العار لا يلحق إلا بالمجرمين أياً كانوا.
■ ■ ■

زمن مرّ على حكاية أخرى، الاحتلال الإسرائيلي يدخل صيدا في اجتياح عام 82، تسقط المدينة ويبقى المخيم يقاتل بعدها أياماً، تشتد الغارات على المخيم، يروي الناس أن أكثر من عشرة قذائف كانت تسقط في الدقيقة الواحدة. دمّر المخيم، استُشهد مقاتلون واعتُقل آخرون، لم يبق فيه رجال، قاتلوا حتى النفس الأخير... سقط المخيم.
أحضرت وكالة الغوث الخيام كي تنصبها، أعادت الناس إلى يوم نكبتهم! كان قرار الاحتلال منع إدخال مواد البناء صارماً، خربت نساء المخيم الخيام، أطلق الجنود النار، صممت النسوة... أحرقوا خيام الوكالة... نجحن!
رضخ من رضخ ودخل الطوب إلى المخيم. لم يكن هناك عاملو بناء، أعادت النساء بناء بيوت عين الحلوة بأيديهن. وعادت عاصمة الشتات قائمة إلى يومنا.
■ ■ ■

أرى الآن ابن عين الحلوة ناجي العلي عائداً إلى المخيم من برد منفاه يضع يديه خلف ظهره، يمضي في الشارع الفوقاني، يدخل حي الطيرة. يتلفّت دون أن يتكلم، يتناول قلماً، يرسم المخيم على هيأة فتاة، تنام بهدوء من ينام في رحمها، تتألم دون أن تصرخ، تستمع إلى ضجيج الحكايات، وتخترع الصمت.