بينما يضرب يده على دفّه، يصدح بصوته منادياً «يا نايم وحّد الدايم»، «غفلان اِصحَ وقوم وحِّد الرحمن»، «عباد الله وحّدوا الله»... علّ مستجيباً لهذه النداءات أخذته غفوة نوم كادت تضيّع عليه سحور يومه في شهر رمضان المبارك. يخرج اللاجئ نزار الدباس (50 عاماً) قبل أذان الفجر بساعات قليلة في أيام شهر رمضان، ليبدأ جولته في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، حاملاً بيده الطبلة وأدواتها، لينثر أصوات الفرح بين منازل السكان، وكي يستعدوا لإحضار وجبة السحور.يقُول الدباس، لـ«الأخبار»، إنه لجأ إلى هذه المهمة قبل 30 عاماً حباً لها وليس كوظيفة أو تكليف من أحد، حيث منذ صغره وهو يقُوم بإيقاظ المواطنين داخل مخيم اليرموك في دمشق، الذي مكث فيه أكثر من 15عاماً، ومن ثم انتقاله إلى قطاع غزة: «منذ وصولي إلى غزة، قرَّرت أن أعمل مسحّراتي في منطقة سكني، وخاصة أنه لا مسحّرين في الحي، ولبست لباس أهل الشام والطربوش الأحمر وبدأت بإيقاظ الناس للسحور». تبدأ المهمة قرابة الساعة الثانية بعد مُنتصف الليل لتستمر حتى الخامسة فجراً، بعد أن يتناول طعام السحور في منزله؛ قليل من الماء وبعض حبات التمر لا تعيق المهمة وتبقيه على قوّته وعزيمته في خدمة سكان الحي متنقّلاً بين الأحياء والأزقَة والشوارع المُختلفة.
يروي الدباس أنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمُتردّية التي مرّ بها في عام 1999 في مخيم اليرموك دفعته إلى أن ينتقل عند أحد أقربائه في قطاع غزة، واستقر في محافظة خان يونس، حيث تزوج وأنجب 4 من البنات و4 من الأولاد، وسكن في حي قيزان النجار، واستأنف مهنة المسحّراتي منذ ما يزيد على 17 عاماً متواصلةً دون توقف». يقول: «المسحّراتي من أهم أشكال البهجة في شهر رمضان. ينتظره الناس بفارغ الصبر ابتهاجاً وسروراً في هذا الشهر. هناك تفاعل كبير من المواطنين معي، يطلُبُ الكثير من الناس أن أقوم بالمُناداة عليهم عند التّسحير وتحديداً كبار السن، مثل عبارة "اِصحَ يا محمود وحّد ربك المعبود"»، وهو يشعر بسعادة لا توصف عندما يستقبله الناس وهم يهتفُون باسمه: «وصل المسحّراتي نزار!».
يتوقّف الدباس عند فرحة الأطفال وتفاعلهم: «يلتمّ حولي الأطفال فور خروجي ليلاً، مرتدياً الزي التراثي، للبدء معي في الجولة التي تستمر طوال أيام شهر رمضان». ويُشير إلى أنَهُ يعمل في هذه المهنة منذ صغره «ابتغاء الأجر من الله لكسب ثواب إيقاظ المسلمين لتناول السحور وعقد نية الصيام، والاستعداد لصلاة الفجر». ويتمنَى أن تعود «الأيام الجميلة» في شوارع دمشق، ويعمّ الأمن والسلام مخيم اليرموك وأن يعود ليسحّر برفقة أطفاله وأبنائه الذين يتمنّون أن يدخلوا سوريا، مكان ميلاد والدهم، وللتعرّف أكثر إلى خيرات بلاد الشام وجمال دمشق.
يقوُل حسين النجار، أحد سكان الحي، إنّ «وجود المسحّراتي يشعر الناس بالطمأنينة والأمن والتعاضد المجتمعي، وخاصة في ظل حاجة الناس إلى مثل هذه الأجواء الرمضانية الجميلة التي تدلّ على عراقة التاريخ والتراث»، ويوضح أنه «يهرع إلى الوقوف أمام الباب عند سماع صوت المسحّراتي آتياً من بعيد». «بالرغم من وجود الكثير من الأدوات والأجهزة الحديثة التي تغني الصائمين عن وجود المسحّراتي، مثل المنبّهات والساعات الرقمية وغيرها، فإنّ المسحّراتي يتسبّب في خلق أجواء رمضانية جميلة مشحونة بالحب والود والالتفاف الشعبي». ويقدّم الكثير من السكان للمسحّراتي وجبات السحور والعصائر والحلوى تعبيراً عن فرحتهم بلقائه وتلهّفاً لقرع طبلته ليلاً، في مشهد يؤكّد مدى التعاضد والتماسك بين أبناء غزة.