مع اقتراب شهر رمضان، تلجأ عائلات في غزة إلى مهنة صناعة الفوانيس والزّينة يدوياً، لتبيعها للذين يرغبون في تزيين بيوتهم ومحلّاتهم التجارية احتفالاً بالشهر الكريم. يرون أنه استثمار جيّد، فهو مصدر موسمي لكسب المال ومحاربة البطالة والحصار المفروض عليهم منذ سنوات. يمتاز شهر رمضان بتوفير فرص عمل مؤقتة لسكان القطاع، ولا سيّما وأنّ له طقوسه الخاصة، التي يحاول الغزّي إحياءها رغم قلة الإمكانات، استشعاراً بمراسم قدومه ولتعميم الفرحة.على الرغم من التطور في صناعة الفوانيس عالمياً، إلا أن الفوانيس المحلية في غزة تنافس المستوردة التي تغزو أسواق القطاع آتية من دول عدة أبرزها الصين، حيث تعتبر صناعتها رديئة وتكلفتها مرتفعة، كونها مستوردة، مقارنة بالمنتج المحلّي الذي يعتبر عالي الجودة وبأشكال وأحجام كبيرة، وأسعار مناسبة وفي متناول الجميع.
يقول منذر صلاح الدين (32 عاماً)، وهو يقطن في محافظة رفح جنوبي القطاع، إنه «يعمل في المهنة الموسمية منذ عدة سنوات، ويعتبرها مدرّة للمال، نتيجة إقبال المواطنين وأصحاب المحال التجارية على شراء كميات كبيرة منها نظراً لجودة صناعتها وجمالها وانخفاض تكلفتها». صلاح الدين، الذي يُعيل أسرة مكونة من أربعة أفراد، يبيّن أن صناعة فوانيس رمضان تحتاج إلى جهد ووقت. ويشرح عن مراحل صناعتها: «أقوم بقصّ قطع الخشب بأطوال متنوعة، وتجميع هذه القطع العمودية على شكل ثلاثي الأبعاد، ومن ثم أقوم بوضع المصباح الكهربائي والمؤثر الصوتي بداخل الفانوس، ومن ثم تغليفه بقماش مزين بواسطة مادّة السيليكون، ومن ثم أضيف بعض اللمسات الجمالية على الفانوس، لإدخال البهجة على السكان تحديداً الأطفال منهم». ويوضح أنّ أسعار بيع الفوانيس المستوردة في الأسواق مرتفعة جداً، ولا يستطيع معظم الناس اقتناءها بسبب ظروفهم الصعبة، لذلك «قررت صناعة الفوانيس باستخدام إمكانات بسيطة، مثل الأخشاب والأوراق الملوّنة والخرز وبعض قطع الزينة البلاستيكية، وبيعها بتكلفة مادّية تناسب المواطنين وتدخل الفرحة والسرور على أفراد الأسر». ويُشير إلى أنّ هذه الصناعة تُواجهها بعض العقبات، وأبرزها انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وهذا يعرقل عملية إنتاج الفوانيس، كون أن صناعتها تحتاج إلى كهرباء مستمرة، فقصّ الأخشاب ومادّة السيليكون اللاصقة تحتاجُ إلى كهرباء عند صناعة الفوانيس.
تردّي الأوضاع الاقتصادية لم يمنع الناس من اقتناء زينة رمضان


أمّا ريهان شراب (28سنة)، فتستقبل شهر رمضان ككل عام في صناعة الفوانيس بأحجام وأشكال متعددة، لتلبّي رغبة الزبائن المختلفة في اقتنائها، إذ تُعد صناعة الفوانيس مصدر رزقها الأول. كانت بدايتها مع صناعة الفوانيس قبل ثلاث سنوات، بصناعة عدد قليل من مجسّماته الكرتونية، وتسويقها عبر صفحتها ومحل تجاري يعود لأسرتها، وفي العام التالي بعد زيادة الطلب، زادت الكمية ونجحت في تسويقها، ليمنحها ذلك دفعة لصناعة العشرات مبكراً هذا العام، والانتقال من الكرتون للخشب المكسي بالقماش. كما استثمرت جمال خطّها في الكتابة على البكارج والفناجين، تلبية لرغبة بعض زبائنها، ووفرت العديد من قطع الزينة، بجانب صناعة أواني تقديم المشروبات والتمر والقطائف. تقول شراب لـ«الأخبار»: «بدأت صناعة الفوانيس بكميات قليلة قبل أيام من شهر رمضان لعدم خبرتي المسبقة بطبيعة ووقت التسويق المناسبين، وكنت أجد صعوبة في ذلك لأن الناس معظمها اشترت مبكراً، حتى إن القماش الخاص بالفوانيس ينفد من المحال». وتُضيف: «في السنة الأولى للعمل تمكَّنت من بيع عشرة فوانيس، في السنة التَّالية صنعت كمية أكبر وروّجتها عبر صفحتي ومحل خاص لوالدي». «هذا العام، بناء على طلب الزبائن المبكر ومحلَّين تجاريَّين، صنعت قرابة 100 فانوس، وما زلت مستمرة باستخدام الخشب والقماش، في حين تُراوح الأسعار من ثلاثة شواكل حتى 100 شيكل، حسب الحجم والنوع وكمية التزيين والإنارة المتوفرة فيه». تبتكر شراب إضافات مميزة في المجسّمات التي تصنعها وهي تطمح أن يكون لها متجر خاص بالهدايا والزينة.
يرتب البائع إيهاب الحلو بسطته المزينة بفوانيس وزينة رمضان لجذب المواطنين: «تردّي الأوضاع الاقتصادية بغزة لم يمنع الناس من اقتناء زينة رمضان، وسعر هذه الزينة منخفض، ولا يشكّل عبئاً مادّياً على العائلات، لكنّها تُضفي الكثير من البهجة في قلوب الأطفال». يُشير إلى أنّ الطلب والإقبال يتضاعف على الفوانيس التي تُراوح أسعارها «من 10 شواكل وحتى 25 شيكلاً».
الجدير ذكره أنّ الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة تؤثّر على مئات آلاف الأسر بفعل الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، وما تلاه من تأثير مباشر على نسب الفقر والبطالة، والتي وصلت إلى نسب قياسيّة، حيث تخطّى الفقر حاجز 85% فيما تعدّت البطالة نسبة 65%.