«فيبروميالجيا»... الألم المخفي!

زاد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان من حالات الـ «فيبروميالجيا»
زاد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان من حالات الـ «فيبروميالجيا»

منذ بدء عرض المسلسل «منتهي الصلاحية» (كتابة محمد هشام عبية، وإخراج تامر نادي ــ 15 حلقة) في النصف الثاني من رمضان، لفتت الممثلة المصرية هبة مجدي الأنظار بتأديتها لدور «رانيا» التي تعاني من آلام مفاجئة في جسدها، تمنعها من الحركة وتؤثر على مزاجها بشكل ملحوظ.

وخلال مجريات الأحداث، تكتشف «رانيا» أنها مصابة بالـ «فيبروميالجيا». يُعدّ الألم الليفي العضلي (Fibromyalgia) اضطراباً عصبياً شائعاً يسبب آلاماً واسعة في البنية العضلية الهيكلية، إلى جانب الإرهاق واضطرابات النوم والذاكرة والحالة المزاجية.

اضطراب نفسي أم جسدي؟

في اتصاله معنا، يصف رئيس قسم جراحة الأعصاب في مستشفى «أوتيل ديو»، رونلد موسى، الألم الليفي العضلي بأنه اضطراب عصبي شائع جداً، مؤكداً أنه ليس مرضاً وراثياً، بل ينتج بشكل رئيسي عن التوتر (Stress) والإرهاق. ويشير إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال نتيجة زيادة معدلات التوتر والقلق لديهن مقارنة بالرجال، موضحاً: «للجسم طاقة معينة على التحمل، وإذا تجاوزناها، سواء جسدياً أو نفسياً، سيؤدي ذلك إلى ضغط وإرهاق شديدين. فبعض الأشخاص يمكنهم تحمل 20 ساعة من العمل يومياً، بينما قد يشعر غيرهم بالتعب بعد 6 ساعات فقط». ويلفت أيضاً إلى أن المصاب لا يدرك مدى الضغط النفسي الذي يتعرض له إلا بعد فحص دقيق لنمط حياته.

ويضيف موسى أن الضغوط اليومية، سواء في المنزل أو العمل أو بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، تلعب دوراً أساسياً في تطور الحالة، مؤكداً أنّ العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة بشكل ملحوظ، إذ يزداد الضغط النفسي بشكل هائل، مما يؤثر على جودة النوم: «المشكلة ليست بعدد ساعات النوم، بل بعمقه ونوعيته. فالمريض قد ينام 6 ساعات لكنه لا يصل إلى النوم العميق (Deep Sleep) كما يحدث مع الأطفال، مما يتركه في حالة دائمة من التعب والإرهاق».

  • جسّدت هبة مجدي دور مصابة بالمرض في «منتهي الصلاحية»
    جسّدت هبة مجدي دور مصابة بالمرض في «منتهي الصلاحية»

عوارض عدة تُربك المرضى:

يتجلى الألم الليفي العضلي في مجموعة من الأعراض التي تؤثر على حياة المريض اليومية، وأبرزها:

- آلام مزمنة في الرقبة وأسفل الظهر والمفاصل

- صداع مستمر

- خفقان القلب وضيق في التنفس

- اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل النفخة

- ضعف في التركيز والذاكرة

- كزّ على الأسنان أثناء النوم

- شعور دائم بالإرهاق

كيف يُشخّص المرضى؟

وبما أن الأعراض قد تتشابه مع أمراض أخرى، يؤكد موسى أن التشخيص لا يعتمد على الصور الشعاعية أو التحاليل المخبرية، بل على الفحص السريري والأسئلة التفصيلية حول نمط الحياة. ويشرح في هذا السياق أن «الكثير من المرضى يأتون إلى العيادة حاملين صور الرنين المغناطيسي (MRI) وتقارير طبية تشير إلى وجود انزلاق غضروفي، ويعتقدون أن آلامهم ناتجة عنه. لكن هنا، يأتي دور الطبيب في التمييز بين الأعراض، إذ يتضح أن الديسك ليس السبب الفعلي، بل الألم الليفي العضلي».

العلاج: بين الأدوية والرياضة والتوازن النفسي

يرتكز علاج الألم الليفي العضلي على ثلاث عناصر رئيسية، هي:

1. الأدوية:

يُعتمد في البداية على أدوية خفيفة تحتوي على فلوپنتيكسول، ميليتراسين، او أميطريبتيلين هيدروكلوريد، وفي الحالات الأكثر تعقيداً قد توصف أدوية تعزز نسبة السيروتونين في الدماغ، كالتي تحتوي على إيسيتالوبرام، او فورتيوكسيتين، لكن يشير رونلد موسى إلى أن المرضى غالباً ما يترددون في تناول الأدوية، مما يعيق تحسنهم: «كثيرون يرفضون الأدوية في البداية، ثم يعودون بعد أشهر مع استمرار الألم، لنبدأ بإقناعهم مجدداً... مع العلم أن تناول هذه الأدوية يستمر لفترة تتراوح بين 3 و6 أشهر فقط».

2. الرياضة:

تُعدّ الرياضة علاجاً أساسياً لأنها ترفع نسبة المورفين الطبيعي في الجسم، مما يخفف الإحساس بالألم. ويوصي موسى بممارسة رياضة بسيطة، مثل المشي، من مرتين إلى 3 مرات أسبوعياً.

3. تخفيف الضغط النفسي:

أما الجانب الأصعب في العلاج، فهو التقليل من الضغط النفسي، إذ لا يمكن للمريض تحقيقه بمفرده. في بعض الحالات، يكون من الضروري اللجوء إلى معالج نفسي أو التحدث مع شخص مقرب لتفريغ المشاعر السلبية بدلاً من كبتها.

ويؤكد موسى أن لهذا الاضطراب علاقة وثيقة بحالة المريض النفسية. فالأشخاص الأكثر حساسية وعاطفية هم الأكثر عرضة للإصابة به، خاصة إذا كانوا يميلون إلى كبت مشاعرهم وعدم التعبير عن ضغوطهم: «المشاكل الحياتية تؤثر علينا جميعاً، لكن البعض قادر على التأقلم، بينما يتأثر المرهفو الحس بشكل مضاعف، مما يؤدي إلى تطور الفيبروميالجيا لديهم».

انتشار واسع وتأثير مزمن

يُعدّ الألم الليفي العضلي من الحالات المزمنة التي قد تستمر لسنوات، فيما يشعر المريض بتحسن في بعض الفترات، خاصة خلال الصيف مع السفر والتعرض لأشعة الشمس، بينما تزداد الأعراض خلال الشتاء. ورغم الافتقار إلى إحصاءات دقيقة، يشدد موسى على أن نسبة الإصابة بين مرضاه مرتفعة جداً: «من أصل 15 مريضاً يقصدون العيادة، نجد أن 10 منهم يعانون من هذا الاضطراب، أي أن النسبة تراوح بين 30 إلى 50%».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي